وقد قال الله تعالى : { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى } وقد بينا نحن فيما تقدم ترتيب أحوال الصحابة رضي الله عنهم ومنازلهم في التقدم والتأخر ومراتب التابعين .
المسألة الثالثة : إذا ثبت انتفاء المساواة بين الخلق وقع ; فإن التقدم والتأخر يكون [ في الدين ويكون ] في أحكام الدنيا ، فأما في أحكام الدين ففي الصحيح عن التفضيل بين الناس بالحكمة والحكم قالت رضي الله عنها { عائشة } . { : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم ، وأعظم المنازل مرتبة الصلاة أبا بكر فليصل بالناس . فقيل له : إن أبا بكر رجل أسيف إذا قام مقامك لم يسمع الناس من البكاء ، فمر فليصل بالناس . فقال : مروا عمر أبا بكر فليصل بالناس } . الحديث . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه : مروا
فقدم المقدم ، وراعى الأفضل .
وفي حديث من رواية أبي مسعود الأنصاري الترمذي وغيره : { } . [ ص: 150 ] يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ; فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة ، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنا ، ولا يؤم الرجل في سلطانه ، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه
وفي الصحيح { لمالك بن الحويرث وأخيه فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما } . ففهم منه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وغيره من العلماء أنه أراد كبر المنزلة ، كما قال صلى الله عليه وسلم : { البخاري } . ولم يعن كبر السن ، وإنما أراد كبر المنزلة . الولاء للكبر
وقد قال وغيره : وإن للسن حقا . وراعاه مالك الشافعي ، وهو أحق بالمراعاة ; لأنه وأبو حنيفة وأما أحكام الدنيا فهي مرتبة على أحكام الدين ، فمن قدم في الدين قدم في الدنيا . إذا اجتمع العلم والسن في خيرين قدم العلم
وفي الآثار : { } . ليس منا من لم يوقر كبيرنا ، ويرحم صغيرنا ، ويعترف لعالمنا
وفي الحديث الثابت في الأفراد : { } . وأنشدني ما أكرم شاب شيخا لسنه إلا قيض الله له عند سنه من يكرمه أبو عبد الله محمد بن قاسم العثماني الشهيد نزيل القدس لابن عبد الصمد السرقسطي :
يا عائبا للشيوخ من أشر داخله للصبا ومن بذخ اذكر إذا شئت أن تعيبهم
جدك واذكر أباك يا بن أخي واعلم بأن الشباب منسلخ
عنك وما وزره بمنسلخ من لا يعز الشيوخ لا بلغت
يوما به سنه إلى الشيخ