فيها مسألتان :
المسألة الأولى اختلف العلماء في تأويل هذه الآية على قولين : أحدهما أنه أراد نفسك فطهر ، والنفس يعبر عنها بالثياب [ كما ] قال امرؤ القيس :
وإن تك قد ساءتك منى خليقة فسلي ثيابي من ثيابك تنسلي
[ ص: 295 ] الثاني أن المراد به الثياب الملبوسة ، فتكون حقيقة ، ويكون [ التأويل ] الأول مجازا . والذي يقول : إنها الثياب المجازية أكثر . روى عن ابن وهب أنه قال : ما يعجبني أن أقرأ القرآن إلا في الصلاة والمساجد ، لا في الطريق قال الله تعالى : { مالك وثيابك فطهر } يريد أنه كنى بالثياب عن الدين . مالكوقد روى عن عبد الله بن نافع أبي بكر بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن في قوله تعالى : { مالك بن أنس وثيابك فطهر } أي لا تلبسها على غدرة .
وقد روي ذلك مسندا إلى ، وكثيرا ما تستعمله ابن عباس العرب في ذلك كله قال أبو كبشة :
ثياب بني عوف طهارى نقية وأوجههم عند المشاعر غران
فإني بحمد الله لا ثوب غادر لبست ولا من غدرة أتقنع
المسألة الثانية ليس بممتنع أن تحمل الآية على عموم المراد فيها بالحقيقة والمجاز ، على ما بيناه في أصول الفقه . وإذا حملناها على الثياب المعلومة [ الظاهرة ] فهي تتناول معنيين : أحدهما تقصير الأذيال ، فإنها إذا أرسلت تدنست ; ولهذا قال لغلام من عمر بن الخطاب الأنصار وقد رأى ذيله مسترخيا : يا غلام ، ارفع إزارك ، فإنه أتقى وأنقى وأبقى . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح : { } ; فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الغاية في لباس الإزار الكعب ، وتوعد ما تحته بالنار ; فما بال رجال يرسلون أذيالهم ، ويطيلون ثيابهم ، ثم يتكلفون رفعها بأيديهم . إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه ، لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين ، وما كان أسفل من ذلك ففي النار
وهذه حالة الكبر وقائدة العجب ، وأشد ما في الأمر أنهم يعصمون ويحتجون ، ويلحقون أنفسهم بمن لم يجعل الله معه غيره ، ولا ألحق [ ص: 296 ] به سواه . قال النبي صلى الله عليه وسلم : { } . ولفظ الصحيح : { لا ينظر الله لمن جر ثوبه خيلاء أبو بكر : يا رسول الله ; إن أحد شقي إزاري يسترخي ، إلا أن أتعاهد ذلك منه . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لست ممن يصنعه خيلاء } . فعم رسول الله صلى الله عليه وسلم [ بالنهي ] ، واستثنى من جر إزاره خيلاء لم ينظر الله له يوم القيامة . قال ، فأراد الأدنياء إلحاق أنفسهم بالأقصياء ; وليس ذلك لهم . أبا بكر الصديق
والمعنى الثاني : غسلها من النجاسة ; وهو ظاهر منها صحيح فيها . وقد بينا اختلاف الأقوال في ذلك بصحيح الدلائل ، ولا نطول بإعادته ، وقد أشار بعض الصوفية إلى أن معناه وأهلك فطهر ; وهذا جائز ، فإنه قد يعبر عن الأهل بالثياب . قال الله تعالى : { هن لباس لكم وأنتم لباس لهن }