[ ص: 322 ] الآية الثانية قوله تعالى : { قتل أصحاب الأخدود } : فيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى ثبت عن واللفظ صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لمسلم } . [ ص: 324 ] المسألة الثانية أصحاب الأخدود هم الذين حفروه من الكفار ، وهم الذين رموا فيه المؤمنين ، فكان لفظ الصحبة محتملا ، إلا أنه بينه وخصصه آخر القول في الآية الثالثة لها والرابعة منها ، وهما قوله : { كان ملك فيمن كان قبلكم ، وكان له ساحر ، فلما كبر قال للملك : قد كبرت ، فابعث لي غلاما أعلمه السحر ; فبعث إليه غلاما يعلمه ، فكان في طريقه إذا سلك راهب قعد إليه ، وسمع كلامه ، وأعجبه ، فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب ، فقعد إليه ، وإذا أتى الساحر ضربه ، فشكا ذلك إلى الراهب ، فقال : إذا خشيت الساحر فقل : حبسني أهلي ، وإذا خشيت أهلك فقل حبسني الساحر ، فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس ، فقال : اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب أفضل ، فأخذ حجرا وقال : اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة ، حتى يمضي الناس ، فرماها فقتلها ، ومضى الناس ; فأتى إلى الراهب فأخبره ، فقال له الراهب : أي بني ، أنت اليوم أفضل مني ، قد بلغ من أمرك ما أرى ، وإنك ستبتلى ، فإن ابتليت فلا تدل علي ; فكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ، ويداوي الناس من سائر الأدواء ، فسمع به جليس الملك وكان قد عمي فأتاه بهدايا كثيرة ، فقال : لك ما هنالك أجمع إن شفيتني قال : إني لا أشفي أحدا ، إنما يشفي الله ، فإن أنت آمنت بالله دعوت لك فشفاك . فآمن بالله ; فشفاه الله . فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس ، فقال له الملك : من رد عليك بصرك ؟ قال : ربي . قال : ولك رب غيري ، قال : ربي وربك الله . فأخذه فلم يزل به حتى دل على الغلام . فجيء بالغلام ، فقال له الملك : أي بني ، قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص ، وتفعل وتفعل ، فقال : إني لا أشفي أحدا إنما يشفي الله . فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب ، فجيء بالراهب ، فقيل له : ارجع عن دينك ، فأبى ، فدعا بالمنشار ، فوضع المنشار على مفرق رأسه ، فشقه ، حتى وقع شقاه [ ص: 323 ] ثم جيء بجليس الملك ، فقيل له : ارجع عن دينك ، فأبى ، فوضع المنشار في مفرق رأسه ، فشقه حتى وقع شقاه ; ثم جيء بالغلام فقال له : ارجع عن دينك فأبى ، فدفعه إلى نفر ، من أصحابه ، فقال : اذهبوا به إلى جبل كذا كذا ، فاصعدوا به الجبل ، فإذا بلغتم ذروته ، فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه ، فصعدوا به الجبل ، فقال : اللهم اكفنيهم بما شئت ، فرجف بهم الجبل ، فسقطوا ، وجاء يمشي إلى الملك ، فقال له الملك : ما فعل أصحابك ؟ فقال : كفانيهم الله . فدفعه إلى نفر من أصحابه ، فقال : اذهبوا به فاحملوه في قرقور ، فتوسطوا به البحر ، فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه . فذهبوا به . فقال : اللهم اكفنيهم بما شئت ، فانكفأت بهم السفينة ، فغرقوا ، وجاء يمشي إلى الملك ; فقال له : ما فعل أصحابك ؟ فقال : كفانيهم الله . فقال للملك : إنك لست بقاتلي ، حتى تفعل ما آمرك به . قال : وما هو ؟ قال : تجمع الناس في صعيد واحد ، وتصلبني على جذع ، ثم خذ سهما من كنانتي ، ثم ضع السهم في كبد القوس ، ثم قل : بسم الله ، رب الغلام ، ثم ارمني ; فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني . فجمع الناس في صعيد واحد ، وصلبه على جذع ، ثم أخذ سهما من كنانته ، ثم وضع السهم في كبد القوس ، ثم قال : بسم الله رب الغلام ، ثم رماه فوقع السهم في صدغه ، فوضع يده على صدغه في موضع السهم فمات . فقال الناس : آمنا برب الغلام ، آمنا برب الغلام ، آمنا برب الغلام ، فأتى الملك ، فقيل له : أرأيت ما كنت تحذر ؟ قد والله نزل بك حذرك ، قد آمن الناس برب الغلام ; فأمر بالأخدود في أفواه السكك ; فخدت ، وأضرم النار ، وقال : من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها ، أو قيل له : اقتحم ففعلوا ، حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها ، فتقاعست أن تقع فيها ، فقال الغلام : يا أمه ، اصبري ، فإنك على الحق ، فاقتحمت إذ هم عليها قعود وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود } . المسألة الثالثة هذا الحديث سترون إن شاء الله تفسيره في مختصر النيرين ، والذي يختص به من الأحكام ههنا أن المرأة والغلام صبرا على العذاب من القتل ، والصلب ، وإلقاء النفس في النار ، دون الإيمان . وهذا منسوخ عندنا حسبما تقرر في سورة النحل .