الآية الثانية قوله تعالى : { ليلة القدر خير من ألف شهر } : فيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى في ، وفي ذلك ثلاثة أقوال : الأول : أنه فضل من ربك . سبب هبتها لهذه الأمة والمنة عليهم
الثاني أنه { ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أربعة من بني إسرائيل ، فقال : عبدوا الله ثمانين عاما لم يعصوه طرفة عين ، فذكر أيوب وزكريا ، وحزقيل بن العجوز ، ويوشع بن نون ، فعجب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك ، فأتاه جبريل ، فقال : يا محمد ، عجبت أمتك من عبادة هؤلاء النفر ثمانين سنة لم يعصوا الله طرفة عين ، فقد أنزل الله عليك خيرا من ذلك ، ثم قرأ : { إنا أنزلناه في ليلة القدر } وهذا أفضل مما عجبت أنت وأمتك منه . قال : فسر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم } .
الثالث : قال في الموطأ من رواية مالك ابن القاسم وغيره عنه : سمعت من أثق به يقول : { إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري أعمار الأمم قبله ، فكأنه تقاصر أعمار أمته ألا يبلغوا من العمل مثل ما بلغ غيرهم في طول العمر ، فأعطاه الله ليلة القدر ، وجعلها خيرا من ألف شهر } .
[ ص: 371 ] قال القاضي : والصحيح هو الأول : أن ذلك فضل من الله ، ولقد أعطيت أمة محمد من الفضل ما لم تعطه أمة في طول عمرها ، فأولها أن كتب لها خمسون صلاة بخمس صلوات ، وكتب لها صوم سنة بشهر رمضان ، بل صوم سنة بثلاثين سنة في رواية وحسبما بيناه في الصحيح ، وطهر مالها بربع العشر ، وأعطيت خواتيم سورة البقرة من قرأها في ليلة كفتاه يعني عن قيام الليل ، وكتب لها أن من صلى الصبح في جماعة فكأنما قام ليلة ، ومن صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف ليلة . فهذه ليلة ونصف في كل ليلة ; إلى غير ذلك مما يطول تعداده . عبد الله بن عمر
ومن أفضل ما أعطوا ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر ; وهذا فضل [ لا يوازيه فضل ] ، ومنة لا يقابلها شكر .
المسألة الثانية روي فيها قول رابع أخرجه الترمذي وغيره أن حدثه قال : حدثنا محمود بن غيلان قال : حدثنا أبو داود الطيالسي القاسم بن الفضل الحداني عن يوسف بن سعد قال : { الحسن بن علي بعدما بايع ، فقال : سودت وجوه المؤمنين أو يا مسود وجوه المؤمنين ، فقال : لا تؤنبني رحمك الله ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم أري معاوية بني أمية على منبره ، فساءه ذلك ، فنزلت : { إنا أعطيناك الكوثر } يعني نهرا في الجنة ، ونزلت : { إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر } يملكها بنو أمية يا محمد ، قال القاسم : فعددناها فإذا هي ألف لا تزيد يوما ولا تنقص يوما } . قام رجل إلى