المسألة الثالثة والعشرون : لا تجوز قبلها ولا بعدها ; لأن القصد بالفعل حقيقته أن يقترن به ، وإلا لم يكن قصدا له ، فنية الوضوء مع أول جزء منه ، وكذلك الصلاة ، وكذلك الصيام ، وهذه حقيقة لا خلاف فيها بين العقلاء ، بيد أن العلماء قالوا : إن من خرج إلى النهر من منزله بنية الغسل أجزأه ، وإن عزبت نيته في أثناء الطريق . وإن خرج إلى الحمام فعزبت في أثناء الطريق بطلت النية . فركب على هذا سفاسفة المفتين أن نية الصلاة تتخرج على القولين ، وأوردوا فيها نصا عمن لا يفرق بين الظن واليقين [ بأنه قال : ] يجوز أن يقدم النية فيها على التكبير . ويا لله ويا للعالمين من أمة أرادت أن تكون مفتية مجتهدة فما وفقها الله ولا سددها ، اعلموا رحمكم الله أن إذا وجبت النية للوضوء أو الصلاة أو الصيام ، أي لأي عبادة وجبت ، فمحلها أن [ ص: 57 ] تكون مقترنة مع أولها بين العلماء . النية في الوضوء مختلف في وجوبها
وقد اختلف فيها قول ، فلما نزلت عن مرتبة الاتفاق سومح في تقديمها في بعض المواضع ; لأن أصلها قد لا يجب . فأما الصلاة فلم يختلف أحد من الأئمة فيها وهي أصل مقصود ، فكيف يحمل الأصل المقصود المتفق عليه على الفرع التابع المختلف فيه ؟ هل هذا إلا غاية الغباوة ؟ فلا تجزئ صلاة عند أحد من الأئمة حتى تكون النية فيها مقارنة للتكبير . وأما الصوم فإن الشرع رفع الحرج فيه ، لما كان ابتداؤه في وقت الغفلة بتقديم النية عليه . مالك