المسألة التاسعة والثلاثون : فإنهما في الإشكال رأس ، وقد تفاقم الخطب بين العلماء فيهما ، وقد بسطنا القول فيهما في كتب المسائل في التفريع ، وفي كتب الحديث في الآثار . القول في الأذنين : [ ص: 69 ] وهما إن كانتا من الرأس
والذي يهون عليك الخطب أن الباري تعالى قال : { برءوسكم } ولم يذكر الأذنين ، ولولا أنهما داخلتان في حكم الرأس ما أهملهما ، وما كان ربك نسيا . وقد روى صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم جماعة لم أجد ذكر الأذنين فيها إلا اليسير من الصحابة ، منهم ; قال : رأيت { عبد الله بن زيد } . ومنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فأخذ ماء لأذنيه خلاف الماء الذي أخذ لرأسه ، روى : { عبد الله بن عباس } ; وصححه أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح رأسه وأذنيه باطنهما بالسبابتين وظاهرهما بإبهاميه الترمذي . ومنهم ; قالت : رأيت { الربيع بنت معوذ } . صححه رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ، ومسح رأسه ما أقبل منه وما أدبر ، ومسح صدغيه وأذنيه مرة واحدة الترمذي . ومنهم عن أبيه ، عن جده : { عمرو بن شعيب } . أن النبي صلى الله عليه وسلم علم الوضوء لمن سأله بأن توضأ له ، ثم مسح رأسه ، وأدخل إصبعيه السبابتين في أذنيه ، ومسح بإبهاميه ظاهرهما
وقد اختلف الناس في حكم الأذنين على ثلاثة أقوال :
الأول : أنهما من الرأس حكما ; قاله ابن المبارك وغيرهما . والثوري
الثاني : أنهما من الوجه قاله الزهري .
الثالث : قال الشعبي : يغسل ما أقبل منهما مع الوجه ، ويمسح ما أدبر منهما مع الرأس ، واختاره والحسن بن صالح . [ ص: 70 ] الطبري
أما من قال : إنها من الرأس فلأن الصحابة لم تذكرهما في الوضوء ; وهذا ضعيف قد بينا أنها ذكرتهما . وأما من قال إنهما من الوجه فنزع بقول النبي صلى الله عليه وسلم في سجوده : { } وإنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم بوجهه جملته ، والسمع وإن كان في الرأس ، والبصر وإن كان في الوجه فالكل مضاف إلى الوجه ; لأنه اسم للجارحة وللقصد ، فأضافه إلى الاسم العام للمعنيين . وأما من قال بالفرق فلا معنى له فإنه تحكم لا تعضده لغة ، ولا تشهد له شريعة . والصحيح ألا يشتغل بهما ، هل هما من الرأس أو من الوجه ؟ وأن يعتمد على أن النبي صلى الله عليه وسلم مسحهما ، فبين مسح الرأس ، وأنهما يمسحان كما يمسح الرأس ، وهما مضافان إليه شرعا ; لأنه قال صلى الله عليه وسلم : فإذا مسح رأسه خرجت خطايا رأسه ، حتى تخرج من أذنيه . سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره