الرفع ، قرأ به ، رواه عنه نافع ، وهي قراءة الوليد بن مسلم الأعمش والحسن .
والنصب ، روى قال : قرأ علي [ ص: 71 ] أبو عبد الرحمن السلمي أو الحسن فقرأ قوله : { الحسين وأرجلكم } فسمع ذلك ، وكان يقضي بين الناس ، فقال : وأرجلكم بالنصب ، هذا من مقدم الكلام ومؤخره . وقرأ علي مثله . وقرأ ابن عباس أنس وعلقمة وأبو جعفر بالخفض . وقال موسى بن أنس : يا لأنس ، إن أبا حمزة خطبنا الحجاج بالأهواز ونحن معه ، فذكر الطهور ، فقال : اغسلوا حتى ذكر الرجلين وغسلهما وغسل العراقيب والعراقب ، فقال : صدق الله وكذب الحجاج . قال الله سبحانه : { أنس فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم } قال : فكان إذا مسح قدميه بلهما وقال : نزل القرآن بالمسح ، وجاءت السنة بالغسل . وعن أنس ابن عباس افترض الله مسحين وغسلين ، وبه قال وقتادة عكرمة والشعبي . وقال : ما كان عليه الغسل جعل عليه التيمم ، وما كان عليه المسح أسقط . واختار التخيير بين الغسل والمسح ، وجعل القراءتين كالروايتين في الخبر يعمل بهما إذا لم يتناقضا . الطبري
وجملة القول في ذلك أن الله سبحانه عطف الرجلين على الرأس ، فقد ينصب على خلاف إعراب الرأس أو يخفض مثله ; والقرآن نزل بلغة العرب ، وأصحابه رءوسهم وعلماؤهم لغة وشرعا .
وقد اختلفوا في ذلك ; فدل على أن المسألة محتملة لغة محتملة شرعا ، لكن تعضد حالة النصب على حالة الخفض بأن النبي صلى الله عليه وسلم غسل وما مسح قط ، وبأنه رأى قوما تلوح أعقابهم ، فقال { } ، { : ويل للأعقاب من النار } . فتوعد بالنار على ترك إيعاب و ويل [ ص: 72 ] للعراقيب من النار ; فدل ذلك على الوجوب بلا خلاف ، وتبين أن من قال إن الرجلين ممسوحتان لم يعلم بوعيد النبي صلى الله عليه وسلم على ترك إيعابهما . غسل الرجلين
وطريق النظر البديع أن القراءتين محتملتان ، وأن اللغة تقضي بأنهما جائزتان ، فردهما الصحابة إلى الرأس مسحا ، فلما قطع بنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم ووقف في وجوهنا وعيده ، قلنا : جاءت السنة قاضية بأن النصب يوجب العطف على الوجه واليدين ، ودخل بينهما مسح الرأس ، وإن لم تكن وظيفته كوظيفتهما ; لأنه مفعول قبل الرجلين لا بعدهما ، فذكر لبيان الترتيب لا ليشتركا في صفة التطهير ، وجاء الخفض ليبين أن الرجلين يمسحان حال الاختيار على حائل ، وهما الخفان بخلاف سائر الأعضاء ، فعطف بالنصب مغسولا على مغسول ، وعطف بالخفض ممسوحا على ممسوح ، وصح المعنى فيه .
فإن قيل : أنتم وإن قرأتموها بالنصب فهي عطف على الرءوس موضعا ، فإن الرءوس وإن كانت مجرورة لفظا فهي منصوبة معنى ; لأنها مفعولة ، فكيف قرأتها خفضا أو نصبا فوظيفتها المسح مثل الذي عطف عليه . قلنا : يعارضه أنا وإن قرأناها خفضا ، وظهر أنها معطوفة على الرءوس فقد يعطف الشيء على الشيء بفعل ينفرد به أحدهما ، كقوله : [ ص: 73 ]
علفتها تبنا وماء باردا ورأيت زوجك في الوغى متقلدا سيفا ورمحا
فعلا فروع الأيهقان وأطفلت بالجلهتين ظباؤها ونعامها
شراب ألبان وتمر وأقط
تقديره : علفتها تبنا وسقيتها ماء . ومتقلدا سيفا وحاملا رمحا ، وأطفلت بالجلهتين ظباؤها وفرخت نعامها . وشراب ألبان وآكل تمر وأقط . فإن قيل : هاهنا عطف وشرك في الفعل وإن لم يكن به مفعولا اتكالا على فهم السامع للحقيقة . قلنا : وها هنا عطف الرجلين على الرءوس وشركهما في فعلهما ، وإن لم يكن به مفعوله ، تعويلا على بيان المبلغ ، فقد بلغ ، وقد بينا أيضا أنها تكون ممسوحة تحت الخفين ; وذلك ظاهر في البيان ; وقد أفردناها مستقلة في جزء .