المسألة الثامنة :
اليمين لا يقتضي عند علمائنا ، وبه قال تحريم المحلوف عليه . وقال الشافعي : يقتضي تحريم المحلوف عليه ، وقد بينا هذه المسألة في تلخيص الطريقتين العراقية والخراسانية على التمام . أبو حنيفة
وعند أن من قال : حرمت على نفسي هذا الطعام ، أو هذا الثوب لزمته الكفارة ; لاعتقاده أن اليمين تحرم ، فركب عليه هذه المسألة . [ ص: 152 ] أبي حنيفة
ولما رأى علماؤنا أن مسألة في تحريم الحلال مركبة على اليمين أنكروا له أن اليمين تحرم ، وكان هذا لأن النظار تحملهم مقارعة الخصوم على النظر في المناقضات وترك التحقيق ، والنظار المحقق يتفقد الحقائق ، ولا يبالي على من دار النظر ، ولا ما صح من مذهب . أبي حنيفة
والذي نعتقده أن اليمين تحرم المحلوف عليه ; فإنه إذا قال : والله لا دخلت الدار فإن هذا القول قد منعه من الدخول حتى يكفر ، فإن أقدم على الفعل قبل الكفارة لزمه أداؤها ; والامتناع هو التحريم بعينه ، والباري تعالى هو المحرم وهو المحلل ، ولكن تحريمه يكون ابتداء كمحرمات الشريعة ، وقد يكون بأسباب يعلقها عليه من أفعال المكلفين ، كتعليق التحريم بالطلاق ، والتحريم باليمين . ويرفع التحريم الكفارة مفعولة أو معزوما عليها . ويرفع تحريم الطلاق النكاح بحسب ما رتب سبحانه من الأحكام ، وبين من الشروط . هذا لبابه ، وتمامه في التلخيص ، فلينظر فيه [ باقي قسمي هذا الباب فإن فيه لغنية الألباب ] .
وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين كانوا قد اجتمعوا واعتقدوا تحريم الأطايب من الطعام والزينة من الثياب واللذة من النساء حلفوا على ذلك ، ولأجله نزلت الآية فيهم ; وإن كانوا لم يحلفوا ، ولكنهم اعتقدوا ، فقد دخلت مسألتهم في قسم اللغو ; وإذا أراد أن يلحق قوله : حرمت على نفسي الأكل ، بقوله : والله لا أكلت ، تبين لكم نقصان هذا الإلحاق وفساده ; لأنه باليمين حرم وأكد التحريم بذكر الله تعالى ، وإذا قال : حرمت على نفسي الأكل ، فتحريمه وحده دون ذكر الله تعالى كيف يلحق بالتحريم المقرون بذكر الله تعالى بعد إسقاطه هذا الإلحاق ؟ لا يخفى تهاتره على أحد . أبو حنيفة