المسألة الثالثة :
لما نهى الله سبحانه المحرم عن قتل الصيد على كل وجه وقع عاما . قال علماؤنا : لا يجوز ; وبه قال ذبح المحرم للصيد على وجه التذكية . أبو حنيفة
وقال : ذبح المحرم للصيد ذكاة ; وتعلق بأنه ذبح صدر من أهله ، وهو [ ص: 174 ] المسلم ، مضافا إلى محله وهو الأنعام ، فأفاد مقصوده من حل الأكل من أصله ذبح الحلال . الشافعي
والجواب : أن هذا بناء على دعوى ; فإن المحرم ليس بأهل لذبح الصيد ; إذ الأهلية لا تستفاد عقلا ، وإنما يفيدها الشرع ، وذلك بإذنه في الذبح ; أو ينفيها الشرع أيضا ; وذلك بنهيه عن الذبح . والمحرم منهي عن ذبح الصيد بقوله تعالى : { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } فقد انتفت الأهلية بالنهي .
وأما قولهم : فأفاد مقصوده ، فقد اتفقنا على أن المحرم إذا ذبح الصيد لا يحل له أكله ; وإنما يأكل منه عندهم غيره ، فإذا كان الذبح لا يفيد الحل للذابح فأولى وأحرى ألا يفيده لغيره ; لأن الفرع تبع للأصل في أحكامه ، فلا يصح أن يثبت له ما لا يثبت لأصله .
وإذا بطل منزع ومأخذه فقد اعتمد علماؤنا سوى ما تقدم ذكره على أنه ذبح محرم لحق الله تعالى لمعنى في الذابح ، فلا يجوز كذبح المجوسي ، وهذا صحيح . الشافعي
فإن الذي قال : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } هو القائل : { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } . والأول : نهي عن المقصود بالسبب ، فدل على عدم السبب . والثاني : نهي عن السبب ، فدل على عدمه شرعا ، فلا يفيد مقصوده حكما ، وهذا من نفيس الأصول فتأملوه .
وقول علمائنا : لمعنى في الذابح فيه احتراز من السكين المغصوبة والكالة وملك الغير ، فإن كل ذلك من التذكية منهي عنه ، ولكنه ما لم يكن لمعنى في الذابح ولا في المذبوح لم يحرم .