المسألة السادسة : قوله تعالى { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } : قد بينا أن التحريم ليس بصفة للأعيان ، وإنما يتعلق بأفعال ; فمعنى قوله تعالى : { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } إن كان الصيد الفعل فمعناه مع الاصطياد كله على أنواعه ، وإن كان معنى الصيد المصيد على معنى تسمية المفعول بالفعل ، فيكون معناه : حرم عليكم صيد البر ، وهذا من غريب المتعلقات للتكليف بالأفعال ، وتفسير وجه التعلق ; فصار ممتنعا بكل وجه ، وكانت إضافته إليه كإضافة الخمر إلى المكلفين والميتة ; إذ إن التحريم لا يختلف باختلاف المحرمات . الصيد في البر في حق المحرم
وقد روى الأئمة عن " أنه قال : { أبي قتادة بالقاحة ومنا المحرم ومنا غير المحرم إذ أبصرت أصحابي يتراءون ، فنظرت فإذا حمار وحش ، فأسرجت فرسي ، وأخذت رمحي ، ثم ركبت ، فسقط سوطي ، فقلت [ ص: 200 ] لأصحابي وكانوا محرمين : ناولوني السوط . فقالوا : والله لا نعينك عليه بشيء ، فنزلت فتناولته ، ثم ركبت فأدركته من خلفه ، وهو وراء أكمة ، فطعنته برمحي ، فعقرته ، فأتيت به أصحابي ، فقال بعضهم : كلوه . وقال بعضهم : لا نأكله . وكان النبي صلى الله عليه وسلم معنا ، فحركت دابتي فأدركته ، فقال : هو حلال ، فكلوه } . خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا
وفي بعض الروايات : { } . هل منكم أحد أمره أو أشار إليه بشيء ؟ قالوا : لا . قال : فكلوا . هل معكم من لحمه شيء ؟ قالوا : معنا رجله . قال : فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلها
وروى الأئمة عن " الصعب بن جثامة الليثي أنه { بالأبواء أو بودان ، فرده عليه . قال : فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في وجهه من الكراهة قال : إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم } . أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا وهو
وروى الترمذي عن والنسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { جابر } . قال صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصد لكم أبو عيسى : هو أحسن حديث في الباب
. [ ص: 201 ] وروي عن أنه كان عند علي فأتي عثمان بلحم صيد صاده حلال ، فأكل عثمان ، وأبى عثمان أن يأكل ، فقال : والله ما صدنا ولا أمرنا ولا أشرنا . فقال علي : وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما . علي
وفي بعض الروايات : إنما صيد قبل أن نحرم ; فقال : ونحن قد بدأنا وأهللنا ونحن حلال ، أفيحل لنا اليوم ؟ وعن علي أنه كره لحم الصيد وهو محرم ، أخذ له أو لم يؤخذ ، وإن صاده الحلال . ابن عباس
وعن مثله . وعن أبي هريرة سعيد بن جبير مثله . وطاوس
وهذا ينبني على أن المحرم الفعل بقوله صيد البر ، أو المحرم مضمر ; والمراد بالصيد المصيد ، والذي ثبت على الدليل أن حكم التحريم إنما تعلق بالمصيد لا بالصيد ; فيكون التحريم يتعلق بتناول الحيلة في تحصيله أو بقصد تناول الحيلة في تحصيله له ، بين ذلك حديثه صلى الله عليه وسلم : { } ; فإذا صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصد لكم حل له أكله ، ولا يحل له أخذه ولا ملكه ; { لم يتناول المحرم صيده بنفسه ولا قصد به الصعب بن جثامة لأنه كان حيا } ، والمحرم لا يملك الصيد . لأن النبي صلى الله عليه وسلم رده على
وقيل : إنما رده لأنه صيد له ، ويكون بذلك داخلا في الحديث المذكور .
وقال : إذا لم يعن فيه بدلالة ولا سلاح جاز له أكله ، وإن كان صيد من أجله . أبو حنيفة
والحديث المتقدم يرد عليه ، وهو قوله : { } . ما لم تصيدوه أو يصد لكم