الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب الأكل من دم التمتع والقران والتطوع 2090 - ( في صفة حديث جابر : { حج النبي صلى الله عليه وسلم قال : ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا وستين بدنة بيده ، ثم أعطى عليا عليه السلام فنحر ما غبر وأشركه في هديه ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها } [ ص: 125 ] رواه أحمد ومسلم ) .

                                                                                                                                            2091 - ( وعن جابر { أن النبي صلى الله عليه وسلم حج ثلاث حجج حجتين قبل أن يهاجر وحجة بعدما هاجر ومعها عمرة ، فساق ثلاثا وثلاثين بدنة ، وجاء علي عليه السلام من اليمن ببقيتها فيها جمل لأبي لهب في أنفه برة من فضة فنحرها ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل بدنة ببضعة فطبخت وشرب من مرقها } . رواه الترمذي وابن ماجه ، وقال : فيه جمل لأبي جهل ) .

                                                                                                                                            2092 - ( وعن عائشة رضي الله عنها قالت : { خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقين من ذي القعدة ولا نرى إلا الحج فلما دنونا من مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدي إذا طاف وسعى بين الصفا والمروة أن يحل ، قالت : فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر ، فقلت ما هذا ؟ فقيل : نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه } . متفق عليه )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            وهو دليل على الأكل من دم القران ; لأن عائشة كانت قارنة حديث جابر الثاني رواه الترمذي من طريق عبد الله بن أبي زياد الكوفي عن زيد بن حبان عن سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر ، وقال : هذا حديث غريب من حديث سفيان لا نعرفه إلا من حديث زيد بن حبان . ورأيت عبد الله بن عبد الرحمن روى هذا الحديث في كتبه عن عبد الله بن أبي زياد قال : وسألت محمدا عن هذا فلم يعرفه من حديث الثوري عن جعفر عن أبيه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم ورأيته لا يعد هذا الحديث محفوظا . وقال : إنما يروى عن الثوري عن أبي إسحاق عن مجاهد مرسل ، ثم قال : حدثنا إسحاق بن منصور ، حدثنا حبان بن هلال ، حدثنا همام ، حدثنا قتادة قال : قلت لأنس : { كم حج النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : حجة واحدة واعتمر أربع عمر } ثم قال : هذا حديث حسن صحيح وحبان بن هلال هو أبو حبيب البصري ، وثقه يحيى بن سعيد القطان .

                                                                                                                                            قوله : ( فنحر ثلاثا وستين بدنة بيده ) في مسند أحمد وسنن أبي داود { أنه صلى الله عليه وسلم نحر ثلاثين بيده وأمر عليا فنحر سائرها } وقد قدمنا الترجيح بين الروايتين . قوله : ( وأشركه ) ظاهره أنه أشركه في نفس الهدي قال القاضي عياض : وعندي أنه لم يكن شريكا حقيقة بل أعطاه قدرا يذبحه قال : والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر البدن التي جاءت معه من المدينة وكانت ثلاثا وستين كما جاء في رواية الترمذي { وأعطى عليا عليه السلام التي جاءت معه من اليمن وهي تمام المائة } . قوله : ( ببضعة ) بفتح الباء لا [ ص: 126 ] غير وهي القطعة من اللحم .

                                                                                                                                            قوله ( برة ) بضم الباء وفتح الراء مخففة وهي حلقة تجعل في أنف البعير . قوله : ( ولا نرى إلا الحج ) بضم النون أي نظن . قوله : ( بلحم بقر ) قد استدل بهذه الأحاديث على أنه يجوز الأكل للمهدي من الهدي الذي يسوقه قال النووي : وأجمع العلماء على أن الأكل من هدي التطوع وأضحيته سنة انتهى . والظاهر أنه يجوز الأكل من الهدي من غير فرق بين ما كان منه تطوعا وما كان فرضا لعموم قوله تعالى { فكلوا منها } ولم يفصل والتمسك بالقياس على الزكاة في عدم جواز الأكل من الهدي الواجب لا ينتهض لتخصيص هذا العموم ; لأن شرع الزكاة لمواساة الفقراء فصرفها إلى المالك إخراج لها عن موضوعها ، وليس شرع الدماء كذلك ، ; لأنها إما لجبر نقص أو لمجرد التبرع فلا قياس مع الفارق فلا تخصيص .

                                                                                                                                            قوله : ( ; لأن عائشة كانت قارنة ) قد اختلف فيما أحرمت به عائشة أولا فقيل : إنها عمرة مفردة لما ثبت عنها في الصحيح أنها قالت : فكنت ممن أهل بعمرة وقيل : إنها أحرمت بالحج أولا وكانت مفردة لما ثبت عنها في الصحيح { خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نرى إلا أنه الحج } وثبت عنها في حديث آخر { لبينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج } وقد أطال ابن القيم الكلام على هذا وبين الراجح من القولين .

                                                                                                                                            ودليل من قال : إنها كانت قارنة الحديث المتقدم { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : يسعك طوافك لحجك وعمرتك } وإلى هذا ذهب الجمهور والكوفيون إلى أنها كانت غير قارنة لما ثبت في الصحيحين { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : وأهلي بالحج ودعي العمرة } وأجاب الجمهور بأنها لم ترفض العمرة لما في صحيح مسلم عن جابر { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها بعد أن أمرها أن تهل بالحج ففعلت ووقفت المواقف كلها حتى إذا طهرت طافت بالكعبة وبالصفا والمروة } وكذلك قوله : يسعك طوافك لحجك وعمرتك وقد قدمنا تأويل قوله : دعي العمرة وقد استدل بقول عائشة المذكور { : نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه } أن البقرة تجزئ عن أكثر من سبعة وقد ثبت في رواية { أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر عن أزواجه بقرة } أخرجها النسائي وأبو داود وغيرهما وكذا في صحيح مسلم والظاهر أنه لم يتخلف أحد من زوجاته يومئذ وهن تسع ولكن لا يخفى أن مجرد هذا الظاهر لا تعارض به الأحاديث الصريحة الصحيحة السالفة المجمع على مدلولها .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية