القول في تأويل قوله ( أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون    ( 83 ) ) 
قال أبو جعفر   : اختلفت القرأة في قراءة ذلك : 
فقرأته عامة قرأة الحجاز من مكة  والمدينة ،  وقرأة الكوفة   : ( " أفغير دين الله تبغون   " ) ، ( وإليه ترجعون ) على وجه الخطاب .  [ ص: 564 ] 
وقرأ ذلك بعض أهل الحجاز    ( أفغير دين الله يبغون   ) ( وإليه يرجعون ) بالياء كلتيهما ، على وجه الخبر عن الغائب . 
وقرأ ذلك بعض أهل البصرة    : ( أفغير دين الله يبغون   ) ، على وجه الخبر عن الغائب ، ( وإليه ترجعون ) ، بالتاء على وجه المخاطبة . 
قال أبو جعفر   : وأولى ذلك بالصواب ، قراءة من قرأ : " أفغير دين الله تبغون " على وجه الخطاب " وإليه ترجعون " بالتاء . لأن الآية التي قبلها خطاب لهم ، فإتباع الخطاب نظيره ، أولى من صرف الكلام إلى غير نظيره . وإن كان الوجه الآخر جائزا ، لما قد ذكرنا فيما مضى قبل : من أن الحكاية يخرج الكلام معها أحيانا على الخطاب كله ، وأحيانا على وجه الخبر عن الغائب ، وأحيانا بعضه على الخطاب ، وبعضه على الغيبة ، فقوله : " تبغون " و " إليه ترجعون " في هذه الآية ، من ذلك . 
وتأويل الكلام : يا معشر أهل الكتاب " أفغير دين الله تبغون " يقول : أفغير طاعة الله تلتمسون وتريدون ، " وله أسلم من في السماوات والأرض   " يقول : وله خشع من في السموات والأرض ، فخضع له بالعبودة ، وأقر له بإفراد الربوبية ، وانقاد له بإخلاص التوحيد والألوهية " طوعا وكرها " يقول أسلم لله طائعا من كان إسلامه منهم له طائعا ، وذلك كالملائكة والأنبياء والمرسلين ،  [ ص: 565 ] فإنهم أسلموا لله طائعين " وكرها " من كان منهم كارها . 
واختلف أهل التأويل في معنى إسلام الكاره الإسلام وصفته   . 
فقال بعضهم : إسلامه ، إقراره بأن الله خالقه وربه ، وإن أشرك معه في العبادة غيره . 
ذكر من قال ذلك : 
7342 - حدثنا أبو كريب  قال : حدثنا  وكيع ،  عن سفيان ،  عن منصور ،  عن مجاهد   : " وله أسلم من في السموات والأرض   " قال : هو كقوله : ( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله   ) [ سورة الزمر : 38 ] . 
7343 - حدثنا  محمد بن بشار  قال : حدثنا أبو أحمد  قال : حدثنا سفيان ،  عن منصور ،  عن مجاهد  مثله . 
7344 - حدثني المثنى  قال : حدثنا إسحاق  قال : حدثنا ابن أبي جعفر ،  عن أبيه ، عن الربيع ،  عن أبي العالية  في قوله : " وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه ترجعون   " قال : كل آدمي قد أقر على نفسه بأن الله ربي وأنا عبده . فمن أشرك في عبادته فهذا الذي أسلم كرها ، ومن أخلص له العبودة ، فهو الذي أسلم طوعا . 
وقال آخرون : بل إسلام الكاره منهم ، كان حين أخذ منه الميثاق فأقر به . 
ذكر من قال ذلك : 
7345 - حدثنا أبو كريب  قال : حدثنا  وكيع ،  عن سفيان ،  عن الأعمش ، عن مجاهد ،  عن ابن عباس   : " وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها   " قال : حين أخذ الميثاق .  [ ص: 566 ] 
وقال آخرون ; عنى بإسلام الكاره منهم ، سجود ظله . 
ذكر من قال ذلك : 
7346 - حدثنا سوار بن عبد الله  قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ،  عن ليث ،  عن مجاهد  في قول الله - عز وجل - : " وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها   " قال : الطائع المؤمن و " كرها " ظل الكافر . 
7347 - حدثني محمد بن عمرو  قال حدثنا أبو عاصم  قال : حدثنا عيسى ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد  في قوله : " طوعا وكرها   " قال : سجود المؤمن طائعا ، وسجود الكافر وهو كاره . 
7348 - حدثني المثنى  قال : حدثنا أبو حذيفة  قال : حدثنا شبل ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد   : " كرها " قال : سجود المؤمن طائعا ، وسجود ظل الكافر وهو كاره . 
7349 - حدثنا القاسم  قال : حدثنا الحسين  قال : حدثني حجاج ،  عن  ابن جريج ،  عن عبد الله بن كثير ،  عن مجاهد  قال : سجود وجهه طائعا ، وظله كارها . 
وقال آخرون : بل إسلامه بقلبه في مشيئة الله ، واستقادته لأمره وإن أنكر ألوهته بلسانه . 
ذكر من قال ذلك : 
7350 - حدثنا أبو كريب  قال : حدثنا  وكيع ،  عن إسرائيل ،  عن جابر ،  عن عامر   : " وله أسلم من في السموات والأرض   " قال : استقاد كلهم له .  [ ص: 567 ] 
وقال آخرون : عنى بذلك إسلام من أسلم من الناس كرها ، حذر السيف على نفسه . 
ذكر من قال ذلك : 
7351 - حدثني محمد بن سنان  قال : حدثنا أبو بكر الحنفي  قال : حدثنا  عباد بن منصور ،  عن الحسن  في قوله : " وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها   " الآية كلها ، فقال : أكره أقوام على الإسلام ، وجاء أقوام طائعين . 
7352 - حدثني الحسن بن قزعة الباهلي  قال : حدثنا روح بن عطاء ،  عن  مطر الوراق  في قول الله - عز وجل - : " وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه ترجعون   " قال : الملائكة طوعا ، والأنصار طوعا ، وبنو سليم  وعبد القيس  طوعا ، والناس كلهم كرها . 
وقال آخرون معنى ذلك : أن أهل الإيمان أسلموا طوعا ، وأن الكافر أسلم في حال المعاينة ، حين لا ينفعه إسلام ، كرها . 
ذكر من قال ذلك : 
7353 - حدثنا بشر  قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا سعيد ،  عن قتادة  قوله : " أفغير دين الله تبغون " الآية ، فأما المؤمن فأسلم طائعا فنفعه ذلك ، وقبل منه ، وأما الكافر فأسلم كارها حين لا ينفعه ذلك ، ولا يقبل منه . 
7354 - حدثنا الحسن بن يحيى  قال : أخبرنا عبد الرزاق  قال : أخبرنا معمر ،  عن قتادة  في قوله : " وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها   " قال : أما المؤمن فأسلم طائعا ، وأما الكافر فأسلم حين رأى بأس الله ، ( فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا   ) [ سورة غافر : 85 ] .  [ ص: 568 ] 
وقال آخرون : معنى ذلك : أي : عبادة الخلق لله - عز وجل - . 
ذكر من قال ذلك : 
7355 - حدثني المثنى  قال : حدثنا عبد الله بن صالح  قال : حدثني معاوية ،  عن علي ،  عن ابن عباس  قوله : " أفغير دين الله تبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها " قال : عبادتهم لي أجمعين طوعا وكرها ، وهو قوله : ( ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها   ) [ سورة الرعد : 15 ] . 
وأما قوله : " وإليه ترجعون " فإنه يعني : " وإليه " يا معشر من يبتغي غير الإسلام دينا من اليهود  والنصارى  وسائر الناس " ترجعون " يقول : إليه تصيرون بعد مماتكم ، فمجازيكم بأعمالكم ، المحسن منكم بإحسانه ، والمسيء بإساءته . 
وهذا من الله - عز وجل - تحذير خلقه أن يرجع إليه أحد منهم فيصير إليه بعد وفاته على غير ملة الإسلام . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					