القول في
nindex.php?page=treesubj&link=28974_30311تأويل قوله ( nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=91إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين ( 91 ) )
قال
أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - " إن الذين كفروا " أي : جحدوا نبوة
محمد - صلى الله عليه وسلم - ولم يصدقوا به وبما جاء به من عند الله من أهل كل ملة ، يهودها ونصاراها ومجوسها وغيرهم " وماتوا وهم كفار " يعني : وماتوا على ذلك من جحود نبوته وجحود ما جاء به "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=91فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به " يقول : فلن يقبل ممن كان بهذه الصفة في الآخرة جزاء ولا رشوة على ترك عقوبته على كفره ، ولا جعل على العفو عنه ، ولو كان له من الذهب قدر ما يملأ الأرض من مشرقها إلى مغربها فرشا ، وجزى على ترك عقوبته وفي العفو عنه على كفره عوضا مما الله محل به من عذابه ؛ لأن الرشا إنما يقبلها من كان ذا حاجة إلى ما رشي . فأما من له الدنيا والآخرة فكيف يقبل
[ ص: 585 ] الفدية ، وهو خلاق كل فدية افتدى بها مفتد من نفسه أو غيره ؟
وقد بينا أن معنى " الفدية " العوض ، والجزاء من المفتدى منه بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
ثم أخبر - عز وجل - عما لهم عنده فقال : " أولئك " يعني هؤلاء الذين كفروا وماتوا وهم كفار " لهم عذاب أليم " يقول : لهم عند الله في الآخرة عذاب موجع "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=91وما لهم من ناصرين " يعني : وما لهم من قريب ولا حميم ولا صديق ينصره ، فيستنقذه من الله ومن عذابه كما كانوا ينصرونه في الدنيا على من حاول أذاه ومكروهه . وقد : -
7384 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قال : حدثنا
أنس بن مالك :
nindex.php?page=hadith&LINKID=810278أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : يجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له : أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبا ، أكنت مفتديا به ؟ فيقول : نعم . قال فيقال : لقد سئلت ما هو أيسر من ذلك ، فذلك قوله : " nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=91إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به " .
7385 - حدثني
محمد بن سنان قال : حدثنا
أبو بكر الحنفي قال : حدثنا
عباد ، عن
الحسن قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=91إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا " قال : هو كل كافر .
[ ص: 586 ]
ونصب قوله " ذهبا " على الخروج من المقدار الذي قبله والتفسير منه ، وهو قوله : " ملء الأرض " كقول القائل : " عندي قدر زق سمنا وقدر رطل عسلا " ف " العسل " مبين به ما ذكر من المقدار ، وهو نكرة منصوبة على التفسير للمقدار والخروج منه .
وأما نحويو
البصرة فإنهم زعموا أنه نصب " الذهب " لاشتغال " الملء " ب " الأرض " ومجيء " الذهب " بعدهما ، فصار نصبها نظير نصب الحال . وذلك أن الحال يجيء بعد فعل قد شغل بفاعله ، فينصب كما ينصب المفعول الذي يأتي بعد الفعل الذي قد شغل بفاعله . قالوا : ونظير قوله : " ملء الأرض ذهبا " في نصب " الذهب " في الكلام : " لي مثلك رجلا " بمعنى : لي مثلك من الرجال . وزعموا أن نصب " الرجل لاشتغال الإضافة بالاسم ، فنصب كما ينصب المفعول به ، لاشتغال الفعل بالفاعل .
وأدخلت الواو في قوله : " ولو افتدى به " لمحذوف من الكلام بعده دل عليه دخول " الواو " وكالواو في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=75وليكون من الموقنين ) [ سورة الأنعام : 75 ] ، وتأويل الكلام : وليكون من الموقنين أريناه ملكوت السموات والأرض . فكذلك ذلك في قوله : " ولو افتدى به " ولو لم يكن في الكلام " واو " لكان الكلام صحيحا ، ولم يكن هنالك متروك . وكان : فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا لو افتدى به .
الْقَوْلُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28974_30311تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ( nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=91إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ( 91 ) )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : يَعْنِي بِذَلِكَ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا " أَيْ : جَحَدُوا نُبُوَّةَ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُصَدِّقُوا بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مِنْ أَهْلِ كُلِّ مِلَّةٍ ، يَهُودِهَا وَنَصَارَاهَا وَمَجُوسِهَا وَغَيْرِهِمْ " وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ " يَعْنِي : وَمَاتُوا عَلَى ذَلِكَ مِنْ جُحُودِ نُبُوَّتِهِ وَجُحُودِ مَا جَاءَ بِهِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=91فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ " يَقُولُ : فَلَنْ يُقْبَلَ مِمَّنْ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فِي الْآخِرَةِ جَزَاءٌ وَلَا رِشْوَةٌ عَلَى تَرْكِ عُقُوبَتِهِ عَلَى كُفْرِهِ ، وَلَا جُعْلٌ عَلَى الْعَفْوِ عَنْهُ ، وَلَوْ كَانَ لَهُ مِنَ الذَّهَبِ قَدْرُ مَا يَمْلَأُ الْأَرْضَ مِنْ مَشْرِقِهَا إِلَى مَغْرِبِهَا فَرْشًا ، وَجَزَى عَلَى تَرْكِ عُقُوبَتِهِ وَفِي الْعَفْوِ عَنْهُ عَلَى كُفْرِهِ عِوَضًا مِمَّا اللَّهُ مُحِلٌّ بِهِ مِنْ عَذَابِهِ ؛ لِأَنَّ الرِّشَا إِنَّمَا يَقْبَلُهَا مَنْ كَانَ ذَا حَاجَةٍ إِلَى مَا رُشِيَ . فَأَمَّا مَنْ لَهُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ فَكَيْفَ يَقْبَلُ
[ ص: 585 ] الْفِدْيَةَ ، وَهُوَ خَلَّاقُ كُلِّ فِدْيَةٍ افْتَدَى بِهَا مُفْتَدٍ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ ؟
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَعْنَى " الْفِدْيَةِ " الْعِوَضُ ، وَالْجَزَاءُ مِنَ الْمُفْتَدَى مِنْهُ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ .
ثُمَّ أَخْبَرَ - عَزَّ وَجَلَّ - عَمَّا لَهُمْ عِنْدَهُ فَقَالَ : " أُولَئِكَ " يَعْنِي هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ " لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " يَقُولُ : لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ مُوجِعٌ "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=91وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ " يَعْنِي : وَمَا لَهُمْ مِنْ قَرِيبٍ وَلَا حَمِيمٍ وَلَا صَدِيقٍ يَنْصُرُهُ ، فَيَسْتَنْقِذُهُ مِنَ اللَّهِ وَمِنْ عَذَابِهِ كَمَا كَانُوا يَنْصُرُونَهُ فِي الدُّنْيَا عَلَى مَنْ حَاوَلَ أَذَاهُ وَمَكْرُوهَهُ . وَقَدْ : -
7384 - حَدَّثَنَا
بِشْرٌ قَالَ : حَدَّثَنَا
يَزِيدُ قَالَ : حَدَّثَنَا
سَعِيدٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا
أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=810278أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ : يُجَاءُ بِالْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ : أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا ، أَكُنْتَ مُفْتَدِيًا بِهِ ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ . قَالَ فَيُقَالُ : لَقَدْ سُئِلَتْ مَا هُوَ أَيْسَرُ مِنْ ذَلِكَ ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ : " nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=91إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ " .
7385 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا
عَبَّادٌ ، عَنِ
الْحَسَنِ قَوْلَهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=91إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا " قَالَ : هُوَ كُلُّ كَافِرٍ .
[ ص: 586 ]
وَنُصِبَ قَوْلُهُ " ذَهَبًا " عَلَى الْخُرُوجِ مِنَ الْمِقْدَارِ الَّذِي قَبْلَهُ وَالتَّفْسِيرِ مِنْهُ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : " مِلْءُ الْأَرْضِ " كَقَوْلِ الْقَائِلِ : " عِنْدِي قَدْرُ زِقٍّ سَمْنًا وَقَدْرُ رِطْلٍ عَسَلًا " فَ " الْعَسَلُ " مُبَيَّنٌ بِهِ مَا ذُكِرَ مِنَ الْمِقْدَارِ ، وَهُوَ نَكِرَةٌ مَنْصُوبَةٌ عَلَى التَّفْسِيرِ لِلْمِقْدَارِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ .
وَأَمَّا نَحْوِيُّو
الْبَصْرَةِ فَإِنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّهُ نَصَبَ " الذَّهَبَ " لِاشْتِغَالِ " الْمِلْءِ " بِ " الْأَرْضِ " وَمَجِيءِ " الذَّهَبِ " بِعْدَهُمَا ، فَصَارَ نَصْبُهُا نَظِيرَ نَصْبِ الْحَالِ . وَذَلِكَ أَنَّ الْحَالَ يَجِيءُ بَعْدَ فِعْلٍ قَدْ شُغِلَ بِفَاعِلِهِ ، فَيُنْصَبُ كَمَا يُنْصَبُ الْمَفْعُولُ الَّذِي يَأْتِي بَعْدَ الْفِعْلِ الَّذِي قَدْ شُغِلَ بِفَاعِلِهِ . قَالُوا : وَنَظِيرُ قَوْلِهِ : " مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا " فِي نَصْبِ " الذَّهَبِ " فِي الْكَلَامِ : " لِي مِثْلُكَ رَجُلًا " بِمَعْنَى : لِي مِثْلُكَ مِنَ الرِّجَالِ . وَزَعَمُوا أَنَّ نَصْبَ " الرَّجُلِ لِاشْتِغَالِ الْإِضَافَةِ بِالِاسْمِ ، فَنُصِبَ كَمَا يُنْصَبُ الْمَفْعُولُ بِهِ ، لِاشْتِغَالِ الْفِعْلِ بِالْفَاعِلِ .
وَأُدْخِلَتِ الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ : " وَلَوِ افْتَدَى بِهِ " لِمَحْذُوفٍ مِنَ الْكَلَامِ بَعْدَهُ دَلَّ عَلَيْهِ دُخُولُ " الْوَاوِ " وَكَالْوَاوِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=75وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) [ سُورَةُ الْأَنْعَامِ : 75 ] ، وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ : وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ أَرَيْنَاهُ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ . فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ : " وَلَوِ افْتَدَى بِهِ " وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَامِ " وَاوٌ " لَكَانَ الْكَلَامُ صَحِيحًا ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ مَتْرُوكٌ . وَكَانَ : فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا لَوِ افْتَدَى بِهِ .