قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بذلك بني إسرائيل ، يقول لهم جل ثناؤه : لئن أقمتم الصلاة ، أيها القوم الذين أعطوني ميثاقهم بالوفاء بطاعتي واتباع أمري ، وآتيتم الزكاة ، وفعلتم سائر ما وعدتكم عليه جنتي "لأكفرن عنكم سيئاتكم" ، [ ص: 123 ] يقول : لأغطين بعفوي عنكم - وصفحي عن عقوبتكم ، على سالف أجرامكم التي أجرمتموها فيما بيني وبينكم - على ذنوبكم التي سلفت منكم من عبادة العجل وغيرها من موبقات ذنوبكم
"ولأدخلنكم" مع تغطيتي على ذلك منكم بفضلي يوم القيامة "جنات تجري من تحتها الأنهار" .
ف"الجنات" البساتين .
وإنما قلت معنى قوله : "لأكفرن" لأغطين ، لأن "الكفر" معناه الجحود ، والتغطية ، والستر ، كما قال لبيد :
في ليلة كفر النجوم غمامها
يعني : "غطاها" ، ف"التكفير" "التفعيل" من "الكفر" .
واختلف أهل العربية في معنى"اللام" التي في قوله : "لأكفرن" .
فقال بعض نحويي البصرة : "اللام" الأولى على معنى القسم يعني"اللام" التي في قوله : "لئن أقمتم الصلاة" قال : والثانية معنى قسم آخر .
وقال بعض نحويي الكوفة : بل "اللام" الأولى وقعت موقع اليمين ، فاكتفي بها عن اليمين يعني ب"اللام الأولى" : "لئن أقمتم الصلاة" . قال : و"اللام" الثانية يعني قوله : "لأكفرن عنكم سيئاتكم" جواب لها ، يعني"اللام" التي في قوله : "لئن أقمتم الصلاة" واعتل لقيله ذلك بأن قوله : "لئن أقمتم الصلاة" [ ص: 124 ] غير تام ولا مستغن عن قوله : "لأكفرن عنكم سيئاتكم" . وإذ كان ذلك كذلك ، فغير جائز أن يكون قوله : "لأكفرن عنكم سيئاتكم" قسما مبتدأ ، بل الواجب أن يكون جوابا لليمين إذ كانت غير مستغنية عنه .
وقوله : ( تجري من تحتها الأنهار ) يقول : تجري من تحت أشجار هذه البساتين التي أدخلكموها الأنهار .