القول في تأويل قوله عز ذكره ( فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "فأغرينا بينهم" حرشنا بينهم وألقينا ، كما تغري الشيء بالشيء .
يقول جل ثناؤه : لما ترك هؤلاء النصارى ، الذين أخذت ميثاقهم بالوفاء بعهدي ، حظهم مما عهدت إليهم من أمري ونهيي ، أغريت بينهم العداوة والبغضاء .
ثم اختلف أهل التأويل في صفة "إغراء الله عز ذكره بينهم العداوة ، والبغضاء " . [ ص: 137 ]
فقال بعضهم : كان إغراؤه بينهم بالأهواء التي حدثت بينهم .
ذكر من قال ذلك :
11598 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا العوام بن حوشب ، عن في قوله : "فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء" ، قال : هذه الأهواء المختلفة والتباغض ، فهو الإغراء . إبراهيم النخعي
11599 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا عن يزيد بن هارون ، العوام بن حوشب قال : سمعت يقول : "فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء" ، قال : أغرى بعضهم ببعض بخصومات بالجدال في الدين . النخعي
11600 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني هشيم قال : أخبرنا العوام بن حوشب ، عن إبراهيم النخعي والتيمي ، قوله : "فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء" ، قال : ما أرى "الإغراء" في هذه الآية إلا الأهواء المختلفة وقال معاوية بن قرة : الخصومات في الدين تحبط الأعمال .
وقال آخرون : بل ذلك هو العداوة التي بينهم والبغضاء .
ذكر من قال ذلك :
11601 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة " الآية ، إن القوم لما تركوا كتاب الله ، وعصوا رسله ، وضيعوا فرائضه ، وعطلوا حدوده ، ألقى بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة بأعمالهم أعمال السوء ، ولو أخذ القوم كتاب الله وأمره ، ما افترقوا ولا تباغضوا .
قال أبو جعفر : وأولى التأولين في ذلك عندنا بالحق تأويل من قال : "أغرى بينهم بالأهواء التي حدثت بينهم" ، كما قال لأن عداوة النصارى [ ص: 138 ] بينهم ، إنما هي باختلافهم في قولهم في إبراهيم النخعي ، المسيح ، وذلك أهواء ، لا وحي من الله .
واختلف أهل التأويل في المعني ب"الهاء والميم" اللتين في قوله : "فأغرينا بينهم" .
فقال بعضهم : عنى بذلك اليهود والنصارى . فمعنى الكلام على قولهم وتأويلهم : فأغرينا بين اليهود والنصارى ، لنسيانهم حظا مما ذكروا به .
ذكر من قال ذلك :
11602 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن : وقال في السدي النصارى أيضا : "فنسوا حظا مما ذكروا به" ، فلما فعلوا ذلك ، أغرى الله عز وجل بينهم وبين اليهود العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة .
11603 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة " ، قال : هم اليهود والنصارى . قال ابن زيد : كما تغري بين اثنين من البهائم .
11604 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : "فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء" ، قال : اليهود والنصارى .
11605 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
11606 - حدثني القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة قال : هم اليهود والنصارى ، أغرى الله بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة .
وقال آخرون : بل عنى الله بذلك النصارى وحدها . وقالوا : معنى ذلك : فأغرينا بين النصارى ، عقوبة لها بنسيانها حظا مما ذكرت به . قالوا : وعليها عادت [ ص: 139 ] "الهاء والميم" في"بينهم" ، دون اليهود .
ذكر من قال ذلك :
11607 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قال : إن الله عز ذكره تقدم إلى بني إسرائيل : أن لا تشتروا بآيات الله ثمنا قليلا وعلموا الحكمة ، ولا تأخذوا عليها أجرا ، فلم يفعل ذلك إلا قليل منهم ، فأخذوا الرشوة في الحكم ، وجاوزوا الحدود ، فقال في اليهود حيث حكموا بغير ما أمر الله : ( وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ) [ سورة المائدة : 64 ] ، وقال في النصارى : "فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة" .
قال أبو جعفر : وأولى التأولين بالآية عندي ما قاله الربيع بن أنس ، وهو أن المعني بالإغراء بينهم النصارى ، في هذه الآية خاصة ، وأن "الهاء والميم" عائدتان على النصارى دون اليهود ، لأن ذكر "الإغراء" في خبر الله عن النصارى ، بعد تقضي خبره عن اليهود ، وبعد ابتدائه خبره عن النصارى ، فلأن يكون ذلك معنيا به النصارى خاصة أولى من أن يكون معنيا به الحزبان جميعا ، لما ذكرنا .
فإن قال قائل : وما العداوة التي بين النصارى ، فتكون مخصوصة بمعنى ذلك؟ [ ص: 140 ] قيل : ذلك عداوة النسطورية واليعقوبية ، الملكية ، والملكية النسطورية واليعقوبية . وليس الذي قاله من قال : "معني بذلك إغراء الله بين اليهود والنصارى " ببعيد ، غير أن هذا أقرب عندي ، وأشبه بتأويل الآية ، لما ذكرنا .