[ ص: 7 ] بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى البر الذي كان المخاطبون بهذه الآية يأمرون الناس به وينسون أنفسهم ، بعد إجماع جميعهم على أن كل طاعة لله فهي تسمى " برا " . فروي عن ابن عباس ما : -
840 - حدثنا به ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ) أي تنهون الناس عن الكفر بما عندكم من النبوة والعهدة من التوراة ، وتتركون أنفسكم : أي وأنتم تكفرون بما فيها من عهدي إليكم في تصديق رسولي ، وتنقضون ميثاقي ، وتجحدون ما تعلمون من كتابي .
841 - وحدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : ( أتأمرون الناس بالبر ) يقول : أتأمرون الناس بالدخول في دين محمد صلى الله عليه وسلم ، وغير ذلك مما أمرتم به من إقام الصلاة ، وتنسون أنفسكم .
[ ص: 8 ] وقال آخرون بما : -
842 - حدثني به موسى بن هارون ، قال : حدثني عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن : ( السدي أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ) قال : كانوا يأمرون الناس بطاعة الله وبتقواه وهم يعصونه .
843 - وحدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ) قال : كان بنو إسرائيل يأمرون الناس بطاعة الله وبتقواه وبالبر ويخالفون ، فعيرهم الله .
844 - وحدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا الحجاج ، قال : قال : ( ابن جريج أتأمرون الناس بالبر ) أهل الكتاب والمنافقون كانوا يأمرون الناس بالصوم والصلاة ، ويدعون العمل بما يأمرون به الناس ، فعيرهم الله بذلك ، فمن أمر بخير فليكن أشد الناس فيه مسارعة .
وقال آخرون بما : -
845 - حدثني به ، قال : أخبرنا يونس بن عبد الأعلى ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : هؤلاء اليهود كان إذا جاء الرجل يسألهم ما ليس فيه حق ولا رشوة ولا شيء ، أمروه بالحق . فقال الله لهم : ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون )
846 - وحدثني علي بن الحسن ، قال : حدثنا مسلم الجرمي ، قال : حدثنا مخلد بن الحسين ، عن أيوب السختياني ، عن أبي قلابة ، في قول الله : ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب ) قال : قال أبو الدرداء : لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات الله ، ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتا .
[ ص: 9 ] قال أبو جعفر : وجميع الذي قال في تأويل هذه الآية من ذكرنا قوله متقارب المعنى ; لأنهم وإن اختلفوا في صفة " البر " الذي كان القوم يأمرون به غيرهم ، الذين وصفهم الله بما وصفهم به ، فهم متفقون في أنهم كانوا يأمرون الناس بما لله فيه رضا من القول أو العمل ، ويخالفون ما أمروهم به من ذلك إلى غيره بأفعالهم .
فالتأويل الذي يدل على صحته ظاهر التلاوة إذا : أتأمرون الناس بطاعة الله وتتركون أنفسكم تعصيه ؟ فهلا تأمرونها بما تأمرون به الناس من طاعة ربكم ؟ معيرهم بذلك ، ومقبحا إليهم ما أتوا به .
ومعنى " نسيانهم أنفسهم " في هذا الموضع نظير النسيان الذي قال جل ثناؤه : ( نسوا الله فنسيهم ) [ التوبة : 67 ] بمعنى : تركوا طاعة الله فتركهم الله من ثوابه .