[ ص: 215 ] القول في تأويل قوله عز ذكره (
nindex.php?page=treesubj&link=28976_33480_9288_31822_30531_28901nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين ( 29 ) )
قال
أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .
فقال بعضهم : معناه : إني أريد أن تبوء بإثمي من قتلك إياي ، وإثمك في معصيتك الله ، وغير ذلك من معاصيك .
ذكر من قال ذلك :
11730 - حدثني
موسى بن هارون ، قال : حدثنا
عمرو بن حماد قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي في حديثه ، عن
أبي مالك وعن
أبي صالح ، عن
ابن عباس وعن
مرة ، عن
ابن مسعود وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك " ، يقول : إثم قتلي ، إلى إثمك الذي في عنقك"
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29فتكون من أصحاب النار " .
11731 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك " ، يقول : بقتلك إياي ، وإثمك قبل ذلك .
11732 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك " ، قال : بإثم قتلي وإثمك .
11733 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك " يقول : إني أريد أن يكون عليك خطيئتك ودمي ، تبوء بهما جميعا .
11734 - حدثني
الحارث قال : حدثنا
عبد العزيز ، عن
سفيان ، عن
[ ص: 216 ] منصور ، عن
مجاهد : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك " ، يقول : إني أريد أن تبوء بقتلك إياي "وإثمك" ، قال : بما كان منك قبل ذلك .
11735 - حدثت عن
الحسين بن الفرج قال : سمعت
أبا معاذ الفضل بن خالد قال : حدثني
عبيد بن سليمان ، عن
الضحاك قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك " ، قال : أما "إثمك" ، فهو الإثم الذي عمل قبل قتل النفس يعني أخاه ، وأما "إثمه" ، فقتله أخاه .
وكأن قائلي هذه المقالة وجهوا تأويل قوله : "إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك " ، إلى : إني أريد أن تبوء بإثم قتلي ، فحذف " القتل " ، واكتفى بذكر " الإثم " ، إذ كان مفهوما معناه عند المخاطبين به .
وقال آخرون : معنى ذلك : إني أريد أن تبوء بخطيئتي ، فتتحمل وزرها ، وإثمك في قتلك إياي . وهذا قول وجدته عن
مجاهد ، وأخشى أن يكون غلطا ، لأن الصحيح من الرواية عنه ما قد ذكرنا قبل .
ذكر من قال ذلك :
11736 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك " ، يقول : إني أريد أن تكون عليك خطيئتي ودمي ، فتبوء بهما جميعا .
قال
أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن تأويله : إني أريد أن تنصرف بخطيئتك في قتلك إياي وذلك هو معنى قوله : " إني
[ ص: 217 ] أريد أن تبوء بإثمي " وأما معنى : " وإثمك " فهو إثمه بغير قتله ، وذلك معصيته الله جل ثناؤه في أعمال سواه .
وإنما قلنا ذلك هو الصواب ، لإجماع أهل التأويل عليه . لأن الله عز ذكره قد أخبرنا أن كل عامل فجزاء عمله له أو عليه . وإذا كان ذلك حكمه في خلقه ، فغير جائز أن يكون آثام المقتول مأخوذا بها القاتل ، وإنما يؤخذ القاتل بإثمه بالقتل المحرم وسائر آثام معاصيه التي ارتكبها بنفسه ، دون ما ركبه قتيله .
فإن قال قائل : أو ليس قتل المقتول من بني آدم كان معصية لله من القاتل؟ قيل : بلى ، وأعظم بها معصية!
فإن قال : فإذا كان لله جل وعز معصية ، فكيف جاز أن يريد ذلك منه المقتول ، ويقول : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29إني أريد أن تبوء بإثمي " ، وقد ذكرت أن تأويل ذلك : إني أريد أن تبوء بإثم قتلي؟ [ قيل ] معناه : إني أريد أن تبوء بإثم قتلي إن قتلتني ، لأني لا أقتلك ، فإن أنت قتلتني ، فإني مريد أن تبوء بإثم معصيتك الله في قتلك إياي . وهو إذا قتله فهو لا محالة باء به في حكم الله ، فإرادته ذلك غير موجبة له الدخول في الخطإ .
ويعني بقوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين " ، يقول : فتكون بقتلك إياي من سكان الجحيم ، ووقود النار المخلدين فيها " وذلك جزاء الظالمين " ، يقول : والنار ثواب التاركين طريق الحق ، الزائلين عن قصد
[ ص: 218 ] السبيل ، المتعدين ما جعل لهم إلى ما لم يجعل لهم .
وهذا يدل على أن الله عز ذكره قد كان أمر ونهى آدم بعد أن أهبطه إلى الأرض ، ووعد وأوعد . ولولا ذلك ما قال المقتول للقاتل : "فتكون من أصحاب النار" بقتلك إياي ، ولا أخبره أن ذلك جزاء الظالمين . فكان
مجاهد يقول : علقت إحدى رجلي القاتل بساقها إلى فخذها من يومئذ إلى يوم القيامة ، ووجهه في الشمس حيثما دارت دار ، عليه في الصيف حظيرة من نار ، وعليه في الشتاء حظيرة من ثلج .
11737 - حدثنا بذلك
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال
مجاهد ذلك قال : وقال
عبد الله بن عمرو : وإنا لنجد ابن آدم القاتل يقاسم أهل النار قسمة صحيحة العذاب ، عليه شطر عذابهم .
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بنحو ما روي عن
عبد الله بن عمرو ، خبر .
11738 - حدثنا
ابن حميد ، قال : حدثنا
جرير ، وحدثنا
سفيان قال : حدثنا
جرير ، وأبو معاوية ح ، وحدثنا
هناد قال : حدثنا
أبو معاوية ، nindex.php?page=showalam&ids=17277ووكيع جميعا ، عن
الأعمش ، عن
عبد الله بن مرة ، عن
مسروق ، عن
عبد الله قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=810446قال النبي صلى الله عليه وسلم : ما من نفس تقتل ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها ، ذلك بأنه أول من سن القتل .
11739 - حدثنا
سفيان قال : حدثنا أبي ح ، وحدثنا
ابن بشار قال : حدثنا
عبد الرحمن جميعا ، عن
سفيان ، عن
الأعمش ، عن
عبد الله بن مرة ، عن
مسروق ، عن
عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، نحوه .
[ ص: 219 ]
11740 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن
حسن بن صالح ، عن
إبراهيم بن مهاجر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي قال : ما من مقتول يقتل ظلما ، إلا كان على ابن آدم الأول والشيطان كفل منه .
11741 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، عن
حكيم بن حكيم ، أنه حدث عن
عبد الله بن عمرو : أنه كان يقول : إن أشقى الناس رجلا لابن آدم الذي قتل أخاه ، ما سفك دم في الأرض منذ قتل أخاه إلى يوم القيامة إلا لحق به منه شيء ، وذلك أنه أول من سن القتل .
قال
أبو جعفر : وهذا الخبر الذي ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مبين عن أن القول الذي قاله
الحسن في ابني
آدم اللذين ذكرهما الله في هذا الموضع أنهما ليسا بابني
آدم لصلبه ، ولكنهما رجلان من بني إسرائيل وأن القول الذي حكي عنه أن أول من مات
آدم ، وأن القربان الذي كانت
[ ص: 220 ] النار تأكله لم يكن إلا في بني إسرائيل خطأ ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر عن هذا القاتل الذي قتل أخاه : أنه أول من سن القتل . وقد كان لا شك القتل قبل إسرائيل ، فكيف قبل ذريته؟! فخطأ من القول أن يقال : أول من سن القتل رجل من بني إسرائيل .
وإذ كان ذلك كذلك ، فمعلوم أن الصحيح من القول هو قول من قال : "هو ابن آدم لصلبه" ، لأنه أول من سن القتل ، فأوجب الله له من العقوبة ما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 215 ] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ (
nindex.php?page=treesubj&link=28976_33480_9288_31822_30531_28901nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ( 29 ) )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ .
فَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَعْنَاهُ : إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي مِنْ قَتْلِكَ إِيَّايَ ، وَإِثْمِكَ فِي مَعْصِيَتِكَ اللَّهَ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَعَاصِيكَ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
11730 - حَدَّثَنِي
مُوسَى بْنُ هَارُونَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
أَسْبَاطٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ فِي حَدِيثِهِ ، عَنْ
أَبِي مَالِكٍ وَعَنْ
أَبِي صَالِحٍ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ
مُرَّةَ ، عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ " ، يَقُولُ : إِثْمِ قَتْلِي ، إِلَى إِثْمِكَ الَّذِي فِي عُنُقِكِ"
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ " .
11731 - حَدَّثَنَا
بِشْرٌ قَالَ : حَدَّثَنَا
يَزِيدُ قَالَ : حَدَّثَنَا
سَعِيدٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ قَوْلَهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ " ، يَقُولُ : بِقَتْلِكَ إِيَّايَ ، وَإِثْمِكَ قَبْلَ ذَلِكَ .
11732 - حَدَّثَنَا
الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ : أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ : أَخْبَرَنَا
مَعْمَرٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ " ، قَالَ : بِإِثْمِ قَتْلِي وَإِثْمِكَ .
11733 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو عَاصِمٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
عِيسَى ، عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ " يَقُولُ : إِنِّي أُرِيدُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْكَ خَطِيئَتُكَ وَدَمِي ، تَبُوءُ بِهِمَا جَمِيعًا .
11734 - حَدَّثَنِي
الْحَارِثُ قَالَ : حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْعَزِيزِ ، عَنْ
سُفْيَانَ ، عَنْ
[ ص: 216 ] مَنْصُورٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ " ، يَقُولُ : إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِقَتْلِكَ إِيَّايَ "وَإِثْمِكَ" ، قَالَ : بِمَا كَانَ مِنْكَ قَبْلَ ذَلِكَ .
11735 - حُدِّثْتُ عَنِ
الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ : سَمِعْتُ
أَبَا مُعَاذٍ الْفَضْلَ بْنَ خَالِدٍ قَالَ : حَدَّثَنِي
عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنِ
الضَّحَّاكِ قَوْلَهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ " ، قَالَ : أَمَّا "إِثْمُكَ" ، فَهُوَ الْإِثْمُ الَّذِي عُمِلَ قَبْلَ قَتْلِ النَّفْسِ يَعْنِي أَخَاهُ ، وَأَمَّا "إِثْمُهُ" ، فَقَتْلُهُ أَخَاهُ .
وَكَأَنَّ قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ وَجَّهُوا تَأْوِيلَ قَوْلِهِ : "إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ " ، إِلَى : إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِ قَتْلِي ، فَحَذَفَ " الْقَتْلَ " ، وَاكْتَفَى بِذِكْرِ " الْإِثْمِ " ، إِذْ كَانَ مَفْهُومًا مَعْنَاهُ عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ بِهِ .
وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِخَطِيئَتِي ، فَتَتَحَمَّلَ وِزْرَهَا ، وَإِثْمِكَ فِي قَتْلِكَ إِيَّايَ . وَهَذَا قَوْلٌ وَجَدْتُهُ عَنْ
مُجَاهِدٍ ، وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ غَلَطًا ، لِأَنَّ الصَّحِيحَ مِنَ الرِّوَايَةِ عَنْهُ مَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
11736 - حَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا
شِبْلٌ ، عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ " ، يَقُولُ : إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَكُونَ عَلَيْكَ خَطِيئَتِي وَدَمِي ، فَتَبُوءَ بِهِمَا جَمِيعًا .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ تَأْوِيلَهُ : إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَنْصَرِفَ بِخَطِيئَتِكَ فِي قَتْلِكَ إِيَّايَ وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ : " إِنِّي
[ ص: 217 ] أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي " وَأَمَّا مَعْنَى : " وَإِثْمِكَ " فَهُوَ إِثْمُهُ بِغَيْرِ قَتْلِهِ ، وَذَلِكَ مَعْصِيَتُهُ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي أَعْمَالٍ سِوَاهُ .
وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ هُوَ الصَّوَابُ ، لِإِجْمَاعِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَيْهِ . لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ قَدْ أَخْبَرَنَا أَنَّ كُلَّ عَامِلٍ فَجَزَاءُ عَمَلِهِ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ حُكْمُهُ فِي خَلْقِهِ ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ آثَامُ الْمَقْتُولِ مَأْخُوذًا بِهَا الْقَاتِلُ ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ الْقَاتِلُ بِإِثْمِهِ بِالْقَتْلِ الْمُحَرَّمِ وَسَائِرِ آثَامِ مَعَاصِيهِ الَّتِي ارْتَكَبَهَا بِنَفْسِهِ ، دُونَ مَا رَكِبَهُ قَتِيلُهُ .
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : أَوَ لَيْسَ قَتْلُ الْمَقْتُولِ مِنْ بَنِي آدَمَ كَانَ مَعْصِيَةً لِلَّهِ مِنَ الْقَاتِلِ؟ قِيلَ : بَلَى ، وَأَعْظِمْ بِهَا مَعْصِيَةً!
فَإِنْ قَالَ : فَإِذَا كَانَ لِلَّهِ جَلَّ وَعَزَّ مَعْصِيَةً ، فَكَيْفَ جَازَ أَنْ يُرِيدَ ذَلِكَ مِنْهُ الْمَقْتُولُ ، وَيَقُولَ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي " ، وَقَدْ ذَكَرْتَ أَنَّ تَأْوِيلَ ذَلِكَ : إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِ قَتْلِي؟ [ قِيلَ ] مَعْنَاهُ : إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِ قَتْلِي إِنْ قَتَلْتَنِي ، لِأَنِّي لَا أَقْتُلُكَ ، فَإِنْ أَنْتَ قَتَلْتَنِي ، فَإِنِّي مُرِيدٌ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِ مَعْصِيَتِكَ اللَّهَ فِي قَتْلِكَ إِيَّايَ . وَهُوَ إِذَا قَتَلَهُ فَهُوَ لَا مَحَالَةَ بَاءَ بِهِ فِي حُكْمِ اللَّهِ ، فَإِرَادَتُهُ ذَلِكَ غَيْرُ مُوجِبَةٍ لَهُ الدُّخُولَ فِي الْخَطَإِ .
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=29فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ " ، يَقُولُ : فَتَكُونَ بِقَتْلِكَ إِيَّايَ مِنْ سُكَّانِ الْجَحِيمِ ، وَوَقُودِ النَّارِ الْمُخَلَّدِينَ فِيهَا " وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ " ، يَقُولُ : وَالنَّارُ ثَوَابُ التَّارِكِينَ طَرِيقَ الْحَقِّ ، الزَّائِلِينَ عَنْ قَصْدِ
[ ص: 218 ] السَّبِيلِ ، الْمُتَعَدِّينَ مَا جُعِلَ لَهُمْ إِلَى مَا لَمْ يُجْعَلْ لَهُمْ .
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ قَدْ كَانَ أَمَرَ وَنَهَى آدَمَ بَعْدَ أَنْ أَهْبَطَهُ إِلَى الْأَرْضِ ، وَوَعَدَ وَأَوْعَدَ . وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا قَالَ الْمَقْتُولُ لِلْقَاتِلِ : "فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ" بِقَتْلِكَ إِيَّايَ ، وَلَا أَخْبَرَهُ أَنَّ ذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ . فَكَانَ
مُجَاهِدٌ يَقُولُ : عُلِّقَتْ إِحْدَى رِجْلَيِ الْقَاتِلِ بِسَاقِهَا إِلَى فَخِذِهَا مِنْ يَوْمِئِذٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَوَجْهُهُ فِي الشَّمْسِ حَيْثُمَا دَارَتْ دَارَ ، عَلَيْهِ فِي الصَّيْفِ حَظِيرَةٌ مِنْ نَارٍ ، وَعَلَيْهِ فِي الشِّتَاءِ حَظِيرَةٌ مِنْ ثَلْجٍ .
11737 - حَدَّثَنَا بِذَلِكَ
الْقَاسِمُ قَالَ : حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ قَالَ : حَدَّثَنِي
حَجَّاجٌ قَالَ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ
مُجَاهِدٌ ذَلِكَ قَالَ : وَقَالَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو : وَإِنَّا لَنَجِدُ ابْنَ آدَمَ الْقَاتِلَ يُقَاسِمُ أَهْلَ النَّارِ قِسْمَةً صَحِيحَةً الْعَذَابَ ، عَلَيْهِ شَطْرُ عَذَابِهِمْ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، بِنَحْوِ مَا رُوِيَ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، خَبَرٌ .
11738 - حَدَّثَنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
جَرِيرٌ ، وَحَدَّثَنَا
سُفْيَانُ قَالَ : حَدَّثَنَا
جَرِيرٌ ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ ح ، وَحَدَّثَنَا
هَنَّادٌ قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو مُعَاوِيَةَ ، nindex.php?page=showalam&ids=17277وَوَكِيعٌ جَمِيعًا ، عَنِ
الْأَعْمَشِ ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ
مَسْرُوقٍ ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=810446قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا مِنْ نَفْسٍ تُقْتَلُ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْهَا ، ذَلِكَ بِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ .
11739 - حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي ح ، وَحَدَّثَنَا
ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ جَمِيعًا ، عَنْ
سُفْيَانَ ، عَنِ
الْأَعْمَشِ ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ
مَسْرُوقٍ ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، نَحْوَهُ .
[ ص: 219 ]
11740 - حَدَّثَنَا
ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ
حَسَنِ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12354إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ : مَا مِنْ مَقْتُولٍ يُقْتَلُ ظُلْمًا ، إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ وَالشَّيْطَانِ كِفْلٌ مِنْهُ .
11741 - حَدَّثَنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
سَلَمَةُ ، عَنِ
ابْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ
حَكِيمِ بْنِ حَكِيمٍ ، أَنَّهُ حُدِّثَ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو : أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : إِنَّ أَشْقَى النَّاسِ رَجُلًا لَابْنُ آدَمَ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ ، مَا سُفِكَ دَمٌ فِي الْأَرْضِ مُنْذُ قَتَلَ أَخَاهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا لَحِقَ بِهِ مِنْهُ شَيْءٌ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَهَذَا الْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مُبِينٌ عَنْ أَنَّ الْقَوْلَ الَّذِي قَالَهُ
الْحَسَنُ فِي ابْنَيْ
آدَمَ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّهُمَا لَيْسَا بِابْنَيْ
آدَمَ لِصُلْبِهِ ، وَلَكِنَّهُمَا رَجُلَانِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَنَّ الْقَوْلَ الَّذِي حُكِيَ عَنْهُ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ مَاتَ
آدَمُ ، وَأَنَّ الْقُرْبَانَ الَّذِي كَانَتِ
[ ص: 220 ] النَّارُ تَأْكُلُهُ لَمْ يَكُنْ إِلَّا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ خَطَأٌ ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخْبَرَ عَنْ هَذَا الْقَاتِلِ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ : أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ . وَقَدْ كَانَ لَا شَكَّ الْقَتْلُ قَبْلَ إِسْرَائِيلَ ، فَكَيْفَ قَبْلَ ذُرِّيَّتِهِ؟! فَخَطَأٌ مِنَ الْقَوْلِ أَنْ يُقَالَ : أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ .
وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنَ الْقَوْلِ هُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ : "هُوَ ابْنُ آدَمَ لِصُلْبِهِ" ، لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ ، فَأَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْعُقُوبَةِ مَا رَوَيْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .