القول في تأويل قوله عز ذكره ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم ( 38 ) )
قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه : ومن سرق من رجل أو امرأة ، فاقطعوا ، أيها الناس ، يده ولذلك رفع "السارق والسارقة" ، لأنهما غير معينين . ولو أريد بذلك سارق وسارقة بأعيانهما لكان وجه الكلام النصب .
وقد روي عن أنه كان يقرأ ذلك : ( والسارقون والسارقات ) . عبد الله بن مسعود
11907 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عن يزيد بن هارون ، ابن عون ، عن إبراهيم قال : في قراءتنا قال : وربما قال : في قراءة عبد الله ( والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهما ) . [ ص: 295 ]
11908 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عن ابن علية ، ابن عون ، عن إبراهيم : في قراءتنا : ( والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهما ) .
وفي ذلك دليل على صحة ما قلنا من معناه ، وصحة الرفع فيه ، وأن " السارق والسارقة " مرفوعان بفعلهما على ما وصفت ، للعلل التي وصفت .
وقال تعالى ذكره : " فاقطعوا أيديهما " ، والمعنى : أيديهما اليمنى ، كما : -
11909 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن : "فاقطعوا أيديهما" اليمنى . السدي
11910 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن جابر ، عن عامر قال : في قراءة عبد الله : ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما ) .
ثم اختلفوا في"السارق" الذي عناه الله عز ذكره .
فقال بعضهم : عنى بذلك سارق ثلاثة دراهم فصاعدا . وذلك قول جماعة من أهل المدينة ، منهم مالك بن أنس ومن قال بقوله . واحتجوا لقولهم ذلك ، بأن : -
11911 - . رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم
وقال آخرون : بل عنى بذلك سارق ربع دينار أو قيمته . وممن قال ذلك ، الأوزاعي ومن قال بقوله . واحتجوا لقولهم ذلك بالخبر الذي روي عن عائشة أنها قالت :
11912 - . [ ص: 296 ] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : القطع في ربع دينار فصاعدا
وقال آخرون : بل عنى بذلك سارق عشرة دراهم فصاعدا . وممن قال ذلك أبو حنيفة وأصحابه . واحتجوا في ذلك بالخبر الذي روي عن عبد الله بن عمرو ، : وابن عباس
11913 - . أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في مجن قيمته عشرة دراهم
وقال آخرون : بل عنى بذلك سارق القليل والكثير . واحتجوا في ذلك بأن الآية على الظاهر ، وأن ليس لأحد أن يخص منها شيئا ، إلا بحجة يجب التسليم لها . وقالوا : لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر بأن ذلك في خاص من السراق . قالوا : والأخبار فيما قطع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطربة مختلفة ، ولم يرو عنه أحد أنه أتي بسارق درهم فخلى عنه ، وإنما رووا عنه أنه قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم . قالوا : وممكن أن يكون لو أتي بسارق ما قيمته دانق أن يقطع . قالوا : وقد قطع ابن الزبير في درهم .
وروي عن ابن عباس أنه قال : الآية على العموم .
11914 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا قال : حدثنا يحيى بن واضح عبد المؤمن ، عن نجدة الحنفي قال : سألت ابن عباس عن قوله : " والسارق والسارقة " ، أخاص أم عام؟ فقال : بل عام . [ ص: 297 ]
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا ، قول من قال : "الآية معني بها خاص من السراق ، وهم سراق ربع دينار فصاعدا أو قيمته" ، لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " " . وقد استقصيت ذكر أقوال المختلفين في ذلك مع عللهم التي اعتلوا بها لأقوالهم ، والبيان عن أولاها بالصواب ، بشواهده ، في كتابنا "كتاب السرقة" ، فكرهنا إطالة الكتاب بإعادة ذلك في هذا الموضع . القطع في ربع دينار فصاعدا
وقوله : " جزاء بما كسبا نكالا من الله " ، يقول : مكافأة لهما على سرقتهما وعملهما في التلصص بمعصية الله "نكالا من الله" يقول : عقوبة من الله على لصوصيتهما .
وكان قتادة يقول في ذلك ما : -
11915 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا قال : حدثنا يزيد بن زريع سعيد ، عن قتادة قوله : " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم " ، لا ترثوا لهم أن تقيموا فيهم الحدود ، فإنه والله ما أمر الله بأمر قط إلا وهو صلاح ، ولا نهى عن أمر قط إلا وهو فساد . [ ص: 298 ]
وكان يقول : "اشتدوا على السراق ، فاقطعوهم يدا يدا ، ورجلا رجلا" . عمر بن الخطاب
وقوله : "والله عزيز حكيم" يقول جل ثناؤه : "والله عزيز" في انتقامه من هذا السارق والسارقة وغيرهما من أهل معاصيه"حكيم" ، في حكمه فيهم وقضائه عليهم .
يقول : فلا تفرطوا أيها المؤمنون ، في إقامة حكمي على السراق وغيرهم من أهل الجرائم الذين أوجبت عليهم حدودا في الدنيا عقوبة لهم ، فإني بحكمتي قضيت ذلك عليهم ، وعلمي بصلاح ذلك لهم ولكم .