القول في تأويل قوله تعالى ( ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون   ( 51 ) ) 
وتأويل قوله : ( ثم اتخذتم العجل من بعده   )  ، ثم اتخذتم في أيام مواعدة موسى  العجل إلها ، من بعد أن فارقكم موسى  متوجها إلى الموعد . و" الهاء " في قوله " من بعده " عائدة على ذكر موسى   . 
فأخبر جل ثناؤه المخالفين نبينا صلى الله عليه وسلم من يهود بني إسرائيل ، المكذبين به المخاطبين بهذه الآية - عن فعل آبائهم وأسلافهم ، وتكذيبهم رسلهم ، وخلافهم أنبياءهم ، مع تتابع نعمه عليهم ، وشيوع آلائه لديهم ، معرفهم بذلك أنهم - من خلاف محمد  صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم به ، وجحودهم لرسالته ، مع علمهم بصدقه - على مثل منهاج آبائهم وأسلافهم ، ومحذرهم من نزول سطوته بهم بمقامهم على ذلك من تكذيبهم ما نزل بأوائلهم المكذبين بالرسل : من المسخ واللعن وأنواع النقمات . 
وكان سبب اتخاذهم العجل ، ما : - 
918 - حدثني به  عبد الكريم بن الهيثم  قال ، حدثنا إبراهيم بن بشار الرمادي  قال ، حدثنا سفيان بن عيينة  قال ، حدثنا أبو سعيد  ، عن عكرمة  ، عن ابن عباس  قال : لما هجم فرعون  على البحر هو وأصحابه ، وكان فرعون  على فرس أدهم  [ ص: 64 ] ذنوب حصان ، فلما هجم على البحر ، هاب الحصان أن يقتحم في البحر ، فتمثل له جبريل  على فرس أنثى وديق ، فلما رآها الحصان تقحم خلفها . قال : وعرف السامري  جبريل ،  لأن أمه حين خافت أن يذبح خلفته في غار وأطبقت عليه ، فكان جبريل  يأتيه فيغذوه بأصابعه ، فيجد في بعض أصابعه لبنا ، وفي الأخرى عسلا وفي الأخرى سمنا ، فلم يزل يغذوه حتى نشأ . فلما عاينه في البحر عرفه ، فقبض قبضة من أثر فرسه . قال : أخذ من تحت الحافر قبضة . - قال سفيان   : فكان ابن مسعود  يقرؤها : " فقبضت قبضة من أثر فرس الرسول "  [ طه : 96 ] . 
قال أبو سعيد  قال عكرمة  ، عن ابن عباس   : وألقي في روع السامري  إنك لا تلقيها على شيء فتقول : " كن كذا وكذا " إلا كان . فلم تزل القبضة معه في يده حتى جاوز البحر . فلما جاوز موسى  وبنو إسرائيل البحر ، وأغرق الله آل فرعون  ، قال موسى  لأخيه هارون   : اخلفني في قومي وأصلح . ومضى موسى  لموعد ربه . قال : وكان مع بني إسرائيل حلي من حلي آل فرعون  قد تعوروه ، فكأنهم تأثموا منه ، فأخرجوه لتنزل النار فتأكله . فلما جمعوه ، قال السامري  بالقبضة التي كانت في يده هكذا ، فقذفها فيه - وأومأ ابن إسحاق  بيده هكذا - وقال : كن عجلا جسدا له خوار . فصار عجلا جسدا له خوار ، وكان تدخل الريح في دبره وتخرج من فيه ، يسمع له صوت ، فقال : هذا إلهكم وإله موسى   . فعكفوا على العجل يعبدونه ، فقال هارون   : يا قوم إنما فتنتم به ، وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري ! قالوا : لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى   . 
919 - حدثني موسى بن هارون  قال ، حدثنا عمرو بن حماد  قال ، حدثنا  [ ص: 65 ] أسباط بن نصر  ، عن  السدي   : لما أمر الله موسى  أن يخرج ببني إسرائيل - يعني من أرض مصر   - أمر موسى  بني إسرائيل أن يخرجوا ، وأمرهم أن يستعيروا الحلي من القبط . فلما نجى الله موسى  ومن معه من بني إسرائيل من البحر ، وغرق آل فرعون  ، أتى جبريل  إلى موسى  يذهب به إلى الله . فأقبل على فرس ، فرآه السامري  فأنكره وقال : إنه فرس الحياة ! فقال حين رآه : إن لهذا لشأنا . فأخذ من تربة الحافر - حافر الفرس - فانطلق موسى  ، واستخلف هارون  على بني إسرائيل ، وواعدهم ثلاثين ليلة ، وأتمها الله بعشر . فقال لهم هارون   : يا بني إسرائيل ، إن الغنيمة لا تحل لكم ، وإن حلي القبط إنما هو غنيمة ، فاجمعوها جميعا ، واحفروا لها حفرة فادفنوها ، فإن جاء موسى  فأحلها أخذتموها ، وإلا كان شيئا لم تأكلوه . فجمعوا ذلك الحلي في تلك الحفرة ، وجاء السامري  بتلك القبضة فقذفها ، فأخرج الله من الحلي عجلا جسدا له خوار . وعدت بنو إسرائيل موعد موسى  ، فعدوا الليلة يوما واليوم يوما ، فلما كان تمام العشرين ، خرج لهم العجل . فلما رأوه قال لهم السامري   : هذا إلهكم وإله موسى  فنسي - يقول : ترك موسى إلهه هاهنا وذهب يطلبه . فعكفوا عليه يعبدونه ، وكان يخور ويمشي . فقال لهم هارون   : يا بني إسرائيل إنما فتنتم به - يقول : إنما ابتليتم به ، يقول : بالعجل - وإن ربكم الرحمن . فأقام هارون  ومن معه من بني إسرائيل لا يقاتلونهم ، وانطلق موسى  إلى إلهه يكلمه ، فلما كلمه قال له : ما أعجلك عن قومك يا موسى  ؟ قال : هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى . قال : فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري ،  فأخبره خبرهم . قال موسى   ; يا رب هذا السامري  أمرهم أن يتخذوا العجل ، أرأيت الروح من نفخها فيه ؟ قال الرب : أنا . قال : رب أنت إذا أضللتهم  . 
920 - حدثنا ابن حميد  قال ، حدثنا سلمة  عن ابن إسحاق  قال : كان  [ ص: 66 ]  - فيما ذكر لي - أن موسى  قال لبني إسرائيل فيما أمره الله عز وجل به : استعيروا منهم - يعني من آل فرعون   - الأمتعة والحلي والثياب ، فإني منفلكم أموالهم مع هلاكهم . فلما أذن فرعون  في الناس ، كان مما يحرض به على بني إسرائيل أن قال : حين ساروا لم يرضوا أن خرجوا بأنفسهم ، حتى ذهبوا بأموالكم معهم  ! . 
921 - حدثنا ابن حميد  قال ، حدثنا سلمة  قال ، حدثني محمد بن إسحاق  ، عن حكيم بن جبير  ، عن سعيد بن جبير  ، عن ابن عباس  قال : كان السامري  رجلا من أهل باجرما ، وكان من قوم يعبدون البقر ، وكان حب عبادة البقر في نفسه ، وكان قد أظهر الإسلام في بني إسرائيل . فلما فصل هارون  في بني إسرائيل ، وفصل موسى  إلى ربه ، قال لهم هارون   : أنتم قد حملتم أوزارا من زينة القوم - آل فرعون   - وأمتعة وحليا ، فتطهروا منها ، فإنها نجس . وأوقد لهم نارا فقال : اقذفوا ما كان معكم من ذلك فيها . قالوا : نعم . 
فجعلوا يأتون بما كان فيهم من تلك الأمتعة وذلك الحلي ، فيقذفون به فيها . حتى إذا تكسر الحلي فيها ، ورأى السامري ،  أثر فرس جبريل ،  فأخذ ترابا من أثر حافره ، ثم أقبل إلى النار فقال لهارون   : يا نبي الله ، ألقي ما في يدي ؟ قال : نعم . ولا يظن هارون  إلا أنه كبعض ما جاء به غيره من ذلك الحلي والأمتعة ، فقذفه فيها وقال : " كن عجلا جسدا له خوار " ، فكان ، للبلاء والفتنة . فقال : هذا إلهكم وإله موسى   . فعكفوا عليه ، وأحبوه حبا لم يحبوا مثله شيئا قط  . يقول الله عز وجل : ( فنسي ) [ طه : 88 ] أي ترك ما كان عليه من الإسلام - يعني السامري   - ( موسى فنسي أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا   ) [ طه : 89 ] وكان اسم السامري موسى بن ظفر  ، وقع في أرض مصر  ، فدخل في بني إسرائيل . فلما رأى هارون  ما وقعوا فيه قال : ( يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى   ) [ طه : 90 - 91 ] فأقام هارون  فيمن معه من المسلمين ممن لم يفتتن ، وأقام من يعبد العجل على عبادة العجل ، وتخوف هارون ،  إن سار بمن معه من المسلمين ، أن يقول له موسى   : فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي . وكان له هائبا مطيعا . 
922 - حدثني  يونس بن عبد الأعلى  قال ، أخبرنا ابن وهب  قال ، قال ابن زيد   : لما أنجى الله عز وجل بني إسرائيل من فرعون  ، وأغرق فرعون  ومن معه ، قال موسى  لأخيه هارون   : اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين . قال : لما خرج موسى  وأمر هارون  بما أمره وخرج موسى  متعجلا مسرورا إلى الله ، قد عرف موسى  أن المرء إذا أنجح في حاجة سيده ، كان يسره أن يتعجل إليه . قال : وكان حين خرجوا استعاروا حليا وثيابا من آل فرعون  ، فقال لهم هارون   : إن هذه الثياب والحلي لا تحل لكم ، فاجمعوا نارا ، فألقوه فيها فأحرقوه . قال : فجمعوا نارا . قال : وكان السامري  قد نظر إلى أثر دابة جبريل  ، وكان على فرس أنثى - وكان السامري  في قوم موسى   - قال : فنظر إلى أثره فقبض منه قبضة ، فيبست عليها يده . فلما ألقى قوم موسى  الحلي في النار ، وألقى السامري   [ ص: 68 ] معهم القبضة ، صور الله جل وعز ذلك لهم عجلا ذهبا ، فدخلته الريح ، فكان له خوار ، فقالوا : ما هذا ؟ فقال : السامري  الخبيث : ( هذا إلهكم وإله موسى فنسي   ) ، الآية ، إلى قوله : ( حتى يرجع إلينا موسى   ) [ طه : 88 - 91 ] قال : حتى إذا أتى موسى  الموعد ، قال الله : ( وما أعجلك عن قومك يا موسى قال هم أولاء على أثري   ) فقرأ حتى بلغ : ( أفطال عليكم العهد   ) [ طه : 86 ] . 
923 - حدثنا القاسم بن الحسن  قال ، حدثنا الحسين  قال ، حدثني حجاج  ، عن  ابن جريج  ، عن مجاهد  في قوله : ( ثم اتخذتم العجل من بعده   ) قال : العجل : حسيل البقرة . قال : حلي استعاروه من آل فرعون  ، فقال لهم هارون   : أخرجوه فتطهروا منه وأحرقوه . وكان السامري  قد أخذ قبضة من أثر فرس جبريل  فطرحه فيه ، فانسبك ، فكان له كالجوف تهوي فيه الرياح  . 
924 - حدثني المثنى بن إبراهيم  قال ، حدثنا آدم  قال ، حدثنا أبو جعفر  ، عن الربيع  ، عن أبي العالية  ، قال : إنما سمي العجل ، لأنهم عجلوا فاتخذوه قبل أن يأتيهم موسى   . 
925 - حدثني محمد بن عمرو الباهلي  قال ، حدثنا أبو عاصم  قال ، حدثني عيسى  ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد  بنحو حديث القاسم  عن الحسن   . 
926 - حدثني المثنى بن إبراهيم  قال ، حدثنا أبو حذيفة  قال ، حدثنا شبل  ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد  بنحوه . 
				
						
						
