قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل ، يا محمد ، لهؤلاء المفترين على ربهم من عبدة الأوثان ، الزاعمين أن الله حرم عليهم ما هم محرموه من حروثهم وأنعامهم ( هلم شهداءكم ) ، يقول : هاتوا شهداءكم الذين يشهدون على الله أنه حرم عليكم ما تزعمون أنه حرمه عليكم .
وأهل العالية من تهامة توحد " هلم " في الواحد والاثنين والجميع ، وتذكر في المؤنث والمذكر ، فتقول للواحد : " هلم يا فلان " ، وللاثنين والجميع كذلك ، وللأنثى مثله ، ومنه قول الأعشى :
وكان دعا قومه دعوة هلم إلى أمركم قد صرم
ينشد : " هلم " ، و " هلموا " . وأما أهل السافلة من نجد ، فإنهم يوحدون للواحد ، ويثنون للاثنين ، ويجمعون للجميع . فيقال للواحد من الرجال : " هلم " وللواحدة من النساء : " هلمي " ، وللاثنين : " هلما " ، وللجماعة من الرجال : " هلموا " ، وللنساء : " هلممن " .
قال الله لنبيه : ( فإن شهدوا ) ، يقول : يا محمد ، فإن جاءوك بشهداء يشهدون أن الله حرم ما يزعمون أن الله حرمه عليهم ( فلا تشهد معهم ) ، فإنهم كذبة [ ص: 214 ] وشهود زور في شهادتهم بما شهدوا به من ذلك على الله . وخاطب بذلك جل ثناؤه نبيه صلى الله عليه وسلم ، والمراد به أصحابه والمؤمنون به ( ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا ) ، يقول : ولا تتابعهم على ما هم عليه من التكذيب بوحي الله وتنزيله ، في تحريم ما حرم ، وتحليل ما أحل لهم ، ولكن اتبع ما أوحي إليك من كتاب ربك الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ( والذين لا يؤمنون بالآخرة ) ، يقول : ولا تتبع أهواء الذين لا يؤمنون بالآخرة ، فتكذب بما هم به مكذبون من إحياء الله خلقه بعد مماتهم ، ونشره إياهم بعد فنائهم ( وهم بربهم يعدلون ) ، يقول : وهم مع بعد الممات ، وجحودهم قيام الساعة ، بالله يعدلون الأوثان والأصنام ، فيجعلونها له عدلا ويتخذونها له ندا يعبدونها من دونه . تكذيبهم بالبعث
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
14133 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن قوله : ( السدي هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا ) ، يقول : قل أروني الذين يشهدون أن الله حرم هذا مما حرمت العرب ، وقالوا : أمرنا الله به . قال الله لرسوله : ( فإن شهدوا فلا تشهد معهم ) .
14134 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ، عن ابن جريج مجاهد قوله : ( هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا ) ، قال : البحائر والسيب .