القول في لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ( 68 ) ) تأويل قوله (
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لأهل بدر الذين غنموا وأخذوا من الأسرى الفداء : ( لولا كتاب من الله سبق ) ، يقول : لولا قضاء من الله سبق لكم أهل بدر في اللوح المحفوظ ، بأن الله محل لكم الغنيمة ، وأن الله قضى فيما قضى أنه لا يضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون ، وأنه لا يعذب أحدا شهد المشهد الذي شهدتموه ببدر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصرا دين الله لنالكم من الله بأخذكم الغنيمة والفداء عذاب عظيم . [ ص: 65 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
16295 حدثنا قال : حدثنا محمد بن بشار ابن أبي عدي قال : حدثنا عوف ، عن الحسن في قوله : ( لولا كتاب من الله سبق ) الآية ، قال : إن الله كان مطعم هذه الأمة الغنيمة ، وإنهم أخذوا الفداء من أسارى بدر قبل أن يؤمروا به . قال : فعاب الله ذلك عليهم ، ثم أحله الله .
16296 - حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع قال : حدثنا بشر بن المفضل عن عوف ، عن الحسن في قول الله : ( لولا كتاب من الله سبق ) الآية ، وذلك يوم بدر ، وأخذ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المغانم والأسارى قبل أن يؤمروا به ، وكان الله تبارك وتعالى قد كتب في أم الكتاب : "المغانم والأسارى حلال لمحمد وأمته" ، ولم يكن أحله لأمة قبلهم ، وأخذوا المغانم وأسروا الأسارى قبل أن ينزل إليهم في ذلك ، قال الله : ( لولا كتاب من الله سبق ) ، يعني في الكتاب الأول . أن المغانم والأسارى حلال لكم ( لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ) .
16297 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( لولا كتاب من الله سبق ) الآية ، وكانت الغنائم قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم في الأمم ، إذا أصابوا مغنما جعلوه للقربان ، وحرم الله عليهم أن يأكلوا منه قليلا أو كثيرا . حرم ذلك على كل نبي وعلى أمته ، فكانوا لا يأكلون منه ، ولا يغلون منه ، ولا يأخذون منه قليلا ولا كثيرا إلا عذبهم الله عليه . وكان الله حرمه عليهم تحريما شديدا ، فلم يحله لنبي إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم . وكان قد سبق من الله في قضائه أن المغنم له ولأمته حلال ، فذلك قوله يوم بدر ، في أخذ الفداء من الأسارى : ( لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ) .
16298 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو أسامة ، عن عروة ، عن [ ص: 66 ] الحسن : ( لولا كتاب من الله سبق ) قال : إن الله كان معطي هذه الأمة الغنيمة ، وفعلوا الذي فعلوا قبل أن تحل الغنيمة .
16299 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر قال : قال الأعمش في قوله : ( لولا كتاب من الله سبق ) ، قال : سبق من الله أن أحل لهم الغنيمة .
16300 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن بشير بن ميمون قال : سمعت سعيدا يحدث ، عن ، قال : قرأ هذه الآية : ( أبي هريرة لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ) ، قال : يعني : لولا أنه سبق في علمي أني سأحل الغنائم ، لمسكم فيما أخذتم من الأسارى عذاب عظيم .
16301 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا جابر بن نوح ، وأبو معاوية بنحوه ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبي هريرة بدر ، فوقع الناس في الغنائم ، فأنزل الله : ( لولا كتاب من الله سبق لمسكم ) ، حتى بلغ ، ( حلالا طيبا ) . ما أحلت الغنائم لأحد سود الرؤوس من قبلكم ، كانت تنزل نار من السماء وتأكلها ، حتى كان يوم
16302 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحوه قال : فلما كان يوم أبي هريرة بدر أسرع الناس في الغنائم . [ ص: 67 ]
16303 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن فضيل ، عن أشعث بن سوار ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة ، قال : أسر المسلمون من المشركين سبعين وقتلوا سبعين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اختاروا أن تأخذوا منهم الفداء فتقووا به على عدوكم ، وإن قبلتموه قتل منكم سبعون أو تقتلوهم! فقالوا : بل نأخذ الفدية منهم ، وقتل منهم سبعون ، قال عبيدة ، وطلبوا الخيرتين كلتيهما .
16304 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن فضيل ، عن أشعث ، عن عبيدة قال : كان فداء أسارى بدر مائة أوقية ، و"الأوقية" أربعون درهما ، ومن الدنانير ستة دنانير .
16305 - حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم قالا : حدثنا قال : حدثنا ابن علية ابن عون ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة : أنه قال في أسارى بدر : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن شئتم قتلتموهم ، وإن شئتم فاديتموهم واستشهد منكم بعدتهم! فقالوا : بلى ، نأخذ الفداء فنستمتع به ، ويستشهد منا بعدتهم . [ ص: 68 ]
16306 - حدثني أحمد بن محمد الطوسي قال : حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال : حدثنا همام بن يحيى قال : حدثنا عطاء بن السائب ، عن أبي وائل ، عن قال : أمر عبد الله بن مسعود عمر - رحمه الله - بقتل الأسارى ، فأنزل الله : ( لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ) .
16307 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ قال : حدثنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( لولا كتاب من الله سبق ) ، قال : كان المغنم محرما على كل نبي وأمته ، وكانوا إذا غنموا يجعلون المغنم لله قربانا تأكله النار . وكان سبق في قضاء الله وعلمه أن يحل المغنم لهذه الأمة ، يأكلون في بطونهم .
16308 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن عطاء في قول الله : ( لولا كتاب من الله سبق لمسكم ) ، قال : كان في علم الله أن تحل لهم الغنائم ، فقال : ( لولا كتاب من الله سبق ) ، بأنه أحل لكم الغنائم ( لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ) .
وقال آخرون : معنى ذلك : لولا كتاب من الله سبق لأهل بدر ، أن لا يعذبهم ، لمسهم عذاب عظيم .
ذكر من قال ذلك :
16309 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، عن شريك ، عن سالم ، عن سعيد : ( لولا كتاب من الله سبق ) ، قال : لأهل بدر ، من السعادة .
16310 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن [ ص: 69 ] أبي نجيح ، عن مجاهد : ( لولا كتاب من الله سبق ) ، لأهل بدر مشهدهم .
16311 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الحسن : ( لولا كتاب من الله سبق ) ، قال : سبق من الله خير لأهل بدر .
16312 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ) ، كان سبق لهم من الله خير ، وأحل لهم الغنائم .
16313 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا عبد الوارث بن سعيد ، عن ، عن عمرو بن عبيد الحسن : ( لولا كتاب من الله سبق ) ، قال : ( سبق ) ، أن لا يعذب أحدا من أهل بدر .
16314 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( لولا كتاب من الله سبق ) ، لأهل بدر ، ومشهدهم إياه .
16315 - حدثني يونس قال : أخبرني ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ) ، لمسكم فيما أخذتم من الغنائم يوم بدر قبل أن أحلها لكم ، فقال : سبق من الله العفو عنهم والرحمة لهم ، سبق أنه لا يعذب المؤمنين ، لأنه لا يعذب رسوله ومن آمن به وهاجر معه ونصره .
وقال آخرون : معنى ذلك : ( لولا كتاب من الله سبق ) ، أن لا يؤاخذ أحدا بفعل أتاه على جهالة ( لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ) .
ذكر من قال ذلك :
16316 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن [ ص: 70 ] ، عن ابن جريج مجاهد قوله : ( لولا كتاب من الله سبق ) ، لأهل بدر ومشهدهم إياه ، قال : كتاب سبق لقوله : ( وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون ) [ سورة التوبة : 115 ] ، سبق ذلك ، وسبق أن لا يؤاخذ قوما فعلوا شيئا بجهالة ( لمسكم فيما أخذتم ) ، قال قال ابن جريج ، ابن عباس : ( فيما أخذتم ) ، مما أسرتم ، ثم قال بعد : ( فكلوا مما غنمتم ) .
16317 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : عاتبه في الأسارى وأخذ الغنائم ، ولم يكن أحد قبله من الأنبياء يأكل مغنما من عدو له .
16318 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن محمد قال : حدثني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال نصرت بالرعب ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، وأعطيت جوامع الكلم ، وأحلت لي المغانم ، ولم تحل لنبي كان قبلي ، وأعطيت الشفاعة ، خمس لم يؤتهن نبي كان قبلي محمد فقال : ( ما كان لنبي ) ، أي : قبلك ( أن يكون له أسرى ) إلى قوله : ( لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم ) ، أي : من الأسارى والمغانم ( عذاب عظيم ) ، أي : لولا أنه سبق مني أن لا أعذب إلا بعد النهي ، ولم أكن نهيتكم ، لعذبتكم فيما صنعتم ، ثم أحلها له ولهم رحمة ونعمة وعائدة من الرحمن الرحيم .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، ما قد بيناه قبل . وذلك أن قوله : ( لولا كتاب من الله سبق ) ، خبر عام غير محصور على معنى دون [ ص: 71 ] معنى ، وكل هذه المعاني التي ذكرتها عمن ذكرت ، مما قد سبق في كتاب الله أنه لا يؤاخذ بشيء منها هذه الأمة ، وذلك : ما عملوا من عمل بجهالة ، وإحلال الغنيمة ، والمغفرة لأهل بدر ، وكل ذلك مما كتب لهم . وإذ كان ذلك كذلك ، فلا وجه لأن يخص من ذلك معنى دون معنى ، وقد عم الله الخبر بكل ذلك ، بغير دلالة توجب صحة القول بخصوصه .
16319 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : لم يكن من المؤمنين أحد ممن نصر إلا أحب الغنائم ، إلا ، جعل لا يلقى أسيرا إلا ضرب عنقه ، وقال : يا رسول الله ، ما لنا وللغنائم ، نحن قوم نجاهد في دين الله حتى يعبد الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لو عذبنا في هذا الأمر يا عمر بن الخطاب عمر ما نجا غيرك! قال الله : لا تعودوا تستحلون قبل أن أحل لكم .
16320 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : قال ابن إسحاق : لما نزلت : ( لولا كتاب من الله سبق ) ، الآية ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو نزل عذاب من السماء لم ينج منه إلا لقوله : يا نبي الله ، كان الإثخان في القتل أحب إلي من استبقاء الرجال سعد بن معاذ ، .