قال أبو جعفر : وهذا توبيخ من الله تعالى ذكره لقوم افتخروا بالسقاية وسدانة البيت ، فأعلمهم - جل ثناؤه - أن ، لا في الذي افتخروا به من السدانة والسقاية . [ ص: 169 ] الفخر في الإيمان بالله واليوم الآخر والجهاد في سبيله
وبذلك جاءت الآثار وتأويل أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
16557 - حدثنا أبو الوليد الدمشقي أحمد بن عبد الرحمن قال : حدثنا قال : حدثني الوليد بن مسلم ، عن جده معاوية بن سلام أبي سلام الأسود ، عن قال : النعمان بن بشير الأنصاري المسجد الحرام ! وقال آخر : بل الجهاد في سبيل الله خير مما قلتم ! فزجرهم رضي الله عنه ، وقال : لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك يوم الجمعة ، ولكن إذا صليت الجمعة دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيته فيما اختلفتم فيه . قال : ففعل ، فأنزل الله تبارك وتعالى : ( عمر بن الخطاب أجعلتم سقاية الحاج ) إلى قوله : ( والله لا يهدي القوم الظالمين ) . كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه ، فقال رجل منهم : ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام ، إلا أن أسقي الحاج! وقال آخر : بل عمارة
16558 - حدثنا المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني [ ص: 170 ] معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : ( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر ) ، قال حين أسر يوم العباس بن عبد المطلب بدر : لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد ، لقد كنا نعمر المسجد الحرام ، ونسقي الحاج ، ونفك العاني ! قال الله : ( أجعلتم سقاية الحاج ) ، إلى قوله : ( الظالمين ) ، يعني أن ذلك كان في الشرك ، ولا أقبل ما كان في الشرك .
16559 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( أجعلتم سقاية الحاج ) ، إلى قوله : ( الظالمين ) ، وذلك أن المشركين قالوا : عمارة بيت الله ، وقيام على السقاية ، خير ممن آمن وجاهد ، وكانوا يفخرون بالحرم ويستكبرون ، من أجل أنهم أهله وعماره ، فذكر الله استكبارهم وإعراضهم ، فقال لأهل الحرم من المشركين : ( قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون مستكبرين به سامرا تهجرون ) [ سورة المؤمنون : 66 ، 67 ] يعني أنهم يستكبرون بالحرم . وقال : ( به سامرا ) ، لأنهم كانوا يسمرون ، ويهجرون القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم ، فخير الإيمان بالله والجهاد مع نبي الله صلى الله عليه وسلم ، على عمران المشركين البيت وقيامهم على السقاية . ولم يكن ينفعهم عند الله مع الشرك به ، أن كانوا يعمرون بيته ويخدمونه . قال الله : ( لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين ) ، يعني : الذين زعموا أنهم أهل العمارة ، فسماهم الله "ظالمين" ، بشركهم ، فلم تغن عنهم العمارة شيئا .
16560 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن ، عن يحيى بن أبي كثير النعمان بن بشير ، المسجد الحرام ! وقال آخر : الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم! فزجرهم عمر وقال : لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك يوم الجمعة ، ولكن إذا صلى الجمعة دخلنا عليه! فنزلت : ( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام ) ، إلى قوله : ( لا يستوون عند الله ) أن رجلا قال : ما أبالي أن لا [ ص: 171 ] أعمل عملا بعد الإسلام ، إلا أن أسقي الحاج ! وقال آخر : ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام ، إلا أن أعمر
16561 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن عمرو ، عن الحسن قال : نزلت في علي ، وعباس ، وعثمان ، وشيبة ، تكلموا في ذلك ، فقال العباس : ما أراني إلا تارك سقايتنا ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أقيموا على سقايتكم ، فإن لكم فيها خيرا .
16562 - . . . قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن إسماعيل ، عن الشعبي قال : نزلت في علي ، والعباس ، تكلما في ذلك .
16563 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرت عن أبي صخر قال : سمعت يقول : افتخر محمد بن كعب القرظي طلحة بن شيبة من بني عبد الدار ، ، وعباس بن عبد المطلب فقال وعلي بن أبي طالب ، طلحة ، أنا صاحب البيت ، معي مفتاحه ، لو أشاء بت فيه ! وقال عباس : أنا صاحب السقاية والقائم عليها ، ولو أشاء بت في المسجد! وقال علي : ما أدري ما تقولان ، لقد صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناس ، وأنا صاحب الجهاد ! فأنزل الله : ( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام ) ، الآية كلها .
16564 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الحسن قال : لما نزلت ( أجعلتم سقاية الحاج ) ، قال العباس : [ ص: 172 ] ما أراني إلا تارك سقايتنا! فقال النبي صلى الله عليه وسلم "أقيموا على سقايتكم فإن لكم فيها خيرا" .
16565 - حدثني محمد بن الحسن قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن : ( السدي أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله ) ، قال : افتخر علي ، وعباس ، ، فقال وشيبة بن عثمان العباس : أنا أفضلكم ، أنا أسقي حجاج بيت الله ! وقال شيبة : أنا أعمر مسجد الله ! وقال علي : أنا هاجرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأجاهد معه في سبيل الله ! فأنزل الله : ( الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله ) ، إلى : ( نعيم مقيم ) .
16566 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ قال : حدثنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( أجعلتم سقاية الحاج ) ، الآية ، أقبل المسلمون على العباس وأصحابه الذين أسروا يوم بدر يعيرونهم بالشرك ، فقال العباس : أما والله لقد كنا نعمر المسجد الحرام ، ونفك العاني ، ونحجب البيت ، ونسقي الحاج ! فأنزل الله : ( أجعلتم سقاية الحاج ) ، الآية .
قال أبو جعفر : فتأويل الكلام إذا : أجعلتم ، أيها القوم ، سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام ، كإيمان من آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله ( لا يستوون ) هؤلاء ، وأولئك ، ولا تعتدل أحوالهما عند الله ومنازلهما ، لأن الله تعالى لا يقبل بغير الإيمان به وباليوم الآخر عملا ( والله لا يهدي القوم الظالمين ) ، يقول : والله لا يوفق لصالح الأعمال من كان به كافرا ولتوحيده جاحدا .
ووضع الاسم موضع المصدر في قوله : ( كمن آمن بالله ) ، إذ كان معلوما [ ص: 173 ] معناه ، كما قال الشاعر :
لعمرك ما الفتيان أن تنبت اللحى ولكنما الفتيان كل فتى ندي
فجعل خبر "الفتيان" ، "أن" ، وهو كما يقال : "إنما السخاء حاتم ، والشعر زهير " .