القول في تأويل قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38nindex.php?page=treesubj&link=28980_19701_29338يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل ( 38 ) )
قال
أبو جعفر : وهذه الآية حث من الله - جل ثناؤه - المؤمنين به من أصحاب رسوله على غزو
الروم ، وذلك غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم
تبوك .
يقول جل ثناؤه : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله ( ما لكم ) ، أي شيء أمركم (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله ) ، يقول : إذا قال لكم رسول الله
محمد ( انفروا ) ، أي : اخرجوا من منازلكم إلى مغزاكم .
وأصل "النفر" ، مفارقة مكان إلى مكان لأمر هاجه على ذلك . ومنه : "نفورا الدابة" . غير أنه يقال : من النفر إلى الغزو : "نفر فلان إلى ثغر كذا ينفر نفرا ونفيرا" ، وأحسب أن هذا من الفروق التي يفرقون بها بين اختلاف المخبر عنه ،
[ ص: 252 ] وإن اتفقت معاني الخبر .
فمعنى الكلام : ما لكم أيها المؤمنون ، إذا قيل لكم : اخرجوا غزاة "في سبيل الله" ، أي : في جهاد أعداء الله (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38اثاقلتم إلى الأرض ) ، يقول : تثاقلتم إلى لزوم أرضكم ومساكنكم والجلوس فيها .
وقيل : "اثاقلتم" لإدغام "التاء" في "الثاء" فأحدثت لها ألف؛ ليتوصل إلى الكلام بها ، لأن "التاء" مدغمة في "الثاء" . ولو أسقطت الألف ، وابتدئ بها ، لم تكن إلا متحركة ، فأحدثت الألف لتقع الحركة بها ، كما قال جل ثناؤه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=38حتى إذا اداركوا فيها جميعا ) ، [ سورة الأعراف : 38 ] ، وكما قال الشاعر :
تولي الضجيع إذا ما استافها خصرا عذب المذاق ، إذا ما اتابع القبل
[ فهو من "الثقل" ، ومجازه مجاز "افتعلتم" ] ، من "التثاقل" .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة ) ، يقول جل ثناؤه ، أرضيتم بحظ الدنيا والدعة فيها ، عوضا من نعيم الآخرة ، وما عند الله للمتقين في جناته
[ ص: 253 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة ) ، يقول : فما الذي يستمتع به المتمتعون في الدنيا من عيشها ولذاتها في نعيم الآخرة والكرامة التي أعدها الله لأوليائه وأهل طاعته ( إلا قليل ) ، يسير . يقول لهم : فاطلبوا ، أيها المؤمنون ، نعيم الآخرة ، وشرف الكرامة التي عند الله لأوليائه ، بطاعته والمسارعة إلى الإجابة إلى أمره في النفير لجهاد عدوه .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
16719 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض ) ، أمروا بغزوة
تبوك بعد الفتح ، وبعد
الطائف ، وبعد
حنين ، أمروا بالنفير في الصيف ، حين خرفت النخل ، وطابت الثمار ، واشتهوا الظلال ، وشق عليهم المخرج .
16720 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض ) الآية ، قال : هذا حين أمروا بغزوة
تبوك بعد الفتح
وحنين وبعد
الطائف ، أمرهم بالنفير في الصيف ، حين اخترفت النخل ، وطابت الثمار ، واشتهوا الظلال ، وشق عليهم المخرج . قال : فقالوا : "الثقيل" ، ذو الحاجة ، والضيعة ، والشغل ، والمنتشر به أمره في ذلك كله . فأنزل الله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=41 ( انفروا خفافا وثقالا ) ، [ سورة التوبة : 41 ]
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38nindex.php?page=treesubj&link=28980_19701_29338يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ( 38 ) )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَهَذِهِ الْآيَةُ حَثٌّ مِنَ اللَّهِ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - الْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِهِ عَلَى غَزْوِ
الرُّومِ ، وَذَلِكَ غَزْوَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
تَبُوكَ .
يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ( مَا لَكُمْ ) ، أَيُّ شَيْءٍ أَمْرُكُمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) ، يَقُولُ : إِذَا قَالَ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ
مُحَمَّدٌ ( انْفِرُوا ) ، أَيِ : اخْرُجُوا مِنْ مَنَازِلِكُمْ إِلَى مَغْزَاكُمْ .
وَأَصْلُ "النَّفْرِ" ، مُفَارَقَةُ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ لِأَمْرٍ هَاجَهُ عَلَى ذَلِكَ . وَمِنْهُ : "نُفُورًا الدَّابَّةُ" . غَيْرَ أَنَّهُ يُقَالُ : مِنَ النَّفْرِ إِلَى الْغَزْوِ : "نَفَرَ فُلَانٌ إِلَى ثَغْرِ كَذَا يَنْفِرُ نَفْرًا وَنَفِيرًا" ، وَأَحْسَبُ أَنَّ هَذَا مِنَ الْفُرُوقِ الَّتِي يُفَرِّقُونَ بِهَا بَيْنَ اخْتِلَافِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ ،
[ ص: 252 ] وَإِنِ اتَّفَقَتْ مَعَانِي الْخَبَرِ .
فَمَعْنَى الْكَلَامِ : مَا لَكَمَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ، إِذَا قِيلَ لَكُمُ : اخْرُجُوا غُزَاةً "فِي سَبِيلِ اللَّهِ" ، أَيْ : فِي جِهَادِ أَعْدَاءِ اللَّهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ) ، يَقُولُ : تَثَاقَلْتُمْ إِلَى لُزُومِ أَرْضِكُمْ وَمَسَاكِنِكُمْ وَالْجُلُوسِ فِيهَا .
وَقِيلَ : "اثَّاقَلْتُمْ" لِإِدْغَامِ "التَّاءِ" فِي "الثَّاءِ" فَأُحْدِثَتْ لَهَا أَلِفٌ؛ لِيُتَوَصَّلَ إِلَى الْكَلَامِ بِهَا ، لِأَنَّ "التَّاءَ" مُدْغَمَةٌ فِي "الثَّاءِ" . وَلَوْ أُسْقِطَتِ الْأَلِفُ ، وَابْتُدِئَ بِهَا ، لَمْ تَكُنْ إِلَّا مُتَحَرِّكَةً ، فَأُحْدِثَتِ الْأَلِفُ لِتَقَعَ الْحَرَكَةُ بِهَا ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=38حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا ) ، [ سُورَةُ الْأَعْرَافِ : 38 ] ، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
تُولِي الضَّجِيعَ إِذَا مَا اسْتَافَهَا خَصِرًا عَذْبَ الْمَذَاقِ ، إِذَا مَا اتَّابَعَ الْقُبَلُ
[ فَهُوَ مِنْ "الثِّقْلِ" ، وَمَجَازُهُ مَجَازُ "افْتَعَلْتُمْ" ] ، مِنْ "التَّثَاقُلِ" .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ) ، يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ، أَرْضِيتُمْ بِحَظِّ الدُّنْيَا وَالدَّعَةِ فِيهَا ، عِوَضًا مِنْ نَعِيمِ الْآخِرَةِ ، وَمَا عِنْدَ اللَّهِ لِلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتِهِ
[ ص: 253 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ ) ، يَقُولُ : فَمَا الَّذِي يَسْتَمْتِعُ بِهِ الْمُتَمَتِّعُونَ فِي الدُّنْيَا مِنْ عَيْشِهَا وَلَذَّاتِهَا فِي نَعِيمِ الْآخِرَةِ وَالْكَرَامَةِ الَّتِي أَعَدَّهَا اللَّهُ لِأَوْلِيَائِهِ وَأَهْلِ طَاعَتِهِ ( إِلَّا قَلِيلٌ ) ، يَسِيرٌ . يَقُولُ لَهُمْ : فَاطْلُبُوا ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ، نَعِيمَ الْآخِرَةِ ، وَشَرَفَ الْكَرَامَةِ الَّتِي عِنْدَ اللَّهِ لِأَوْلِيَائِهِ ، بِطَاعَتِهِ وَالْمُسَارَعَةِ إِلَى الْإِجَابَةِ إِلَى أَمْرِهِ فِي النَّفِيرِ لِجِهَادِ عَدُوِّهِ .
وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
16719 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو عَاصِمٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
عِيسَى ، عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ) ، أُمِرُوا بِغَزْوَةِ
تَبُوكَ بَعْدَ الْفَتْحِ ، وَبَعْدَ
الطَّائِفِ ، وَبَعْدَ
حُنَيْنٍ ، أُمِرُوا بِالنَّفِيرِ فِي الصَّيْفِ ، حِينَ خُرِفَتِ النَّخْلُ ، وَطَابَتِ الثِّمَارُ ، وَاشْتَهَوُا الظِّلَالَ ، وَشَقَّ عَلَيْهِمُ الْمَخْرَجُ .
16720 - حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ قَالَ : حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ قَالَ : حَدَّثَنِي
حَجَّاجٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=38يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ) الْآيَةَ ، قَالَ : هَذَا حِينَ أُمِرُوا بِغَزْوَةِ
تَبُوكَ بَعْدَ الْفَتْحِ
وَحُنَيْنٍ وَبَعْدَ
الطَّائِفِ ، أَمَرَهُمْ بِالنَّفِيرِ فِي الصَّيْفِ ، حِينَ اخْتُرِفَتِ النَّخْلُ ، وَطَابَتِ الثِّمَارُ ، وَاشْتَهَوُا الظِّلَالَ ، وَشَقَّ عَلَيْهِمُ الْمَخْرَجُ . قَالَ : فَقَالُوا : "الثَّقِيلُ" ، ذُو الْحَاجَةِ ، وَالضَّيْعَةِ ، وَالشُّغْلِ ، وَالْمُنْتَشِرُ بِهِ أَمْرُهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ . فَأَنْزَلَ اللَّهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=41 ( انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا ) ، [ سُورَةُ التَّوْبَةِ : 41 ]