القول في تأويل قوله ( انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ( 41 ) )
قال أبو جعفر : واختلف أهل التأويل في معنى "الخفة" و"الثقل" ، اللذين أمر الله من كان به أحدهما بالنفر معه .
فقال بعضهم : معنى "الخفة" ، التي عناها الله في هذا الموضع ، الشباب ومعنى "الثقل" ، الشيخوخة .
ذكر من قال ذلك :
16734 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن رجل ، عن الحسن في قوله : ( انفروا خفافا وثقالا ) ، قال : شيبا وشبانا .
16735 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا حفص ، عن عمرو ، عن الحسن قال : شيوخا وشبانا .
16736 - . . . . . . قال : حدثنا ابن عيينة ، عن علي بن زيد ، عن أنس ، عن أبي طلحة : ( انفروا خفافا وثقالا ) ، قال : كهولا وشبانا ، ما أسمع الله عذر واحدا!! فخرج إلى الشأم ، فجاهد حتى مات . [ ص: 263 ]
16737 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن المغيرة بن النعمان قال : كان رجل من النخع ، وكان شيخا بادنا ، فأراد الغزو ، فمنعه فقال : إن الله يقول : ( سعد بن أبي وقاص انفروا خفافا وثقالا ) ، فأذن له سعد ، فقتل الشيخ ، فسأل عنه بعد عمر ، فقال : ما فعل الشيخ الذي كأنه من بني هاشم؟ فقالوا : قتل يا أمير المؤمنين!
16738 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عن يزيد بن هارون ، إسماعيل ، عن أبي صالح قال : الشاب والشيخ .
16739 - . . . . . . قال : حدثنا أبو أسامة ، عن ، عن مالك بن مغول إسماعيل ، عن عكرمة ، قال : الشاب والشيخ .
16740 - . . . . . . قال : حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك : كهولا وشبانا .
16741 - . . . . . . قال : حدثنا حبويه أبو يزيد ، عن يعقوب القمي ، عن جعفر بن حميد ، عن بشر بن عطية : كهولا وشبانا [ ص: 264 ]
16742 - حدثنا الوليد قال : حدثنا علي بن سهل قال : حدثنا ، عن الوليد بن مسلم بكير بن معروف ، عن مقاتل بن حيان ، في قوله : ( انفروا خفافا وثقالا ) ، قال : شبانا وكهولا .
16743 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( انفروا خفافا وثقالا ) ، قال : شبابا وشيوخا ، وأغنياء ومساكين .
16744 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : قال الحسن : شيوخا وشبانا .
16745 - حدثني سعيد بن عمرو قال : حدثنا بقية قال : حدثنا حريز قال : حدثني حبان بن زيد الشرعبي قال : نفرنا مع وكان واليا على صفوان بن عمرو ، حمص قبل الأفسوس ، إلى الجراجمة ، فلقيت شيخا كبيرا هما ، قد سقط حاجباه على عينيه ، من أهل دمشق ، على راحلته ، فيمن أغار ، فأقبلت عليه فقلت : يا عم ، لقد أعذر الله إليك! قال : فرفع حاجبيه ، فقال : يا ابن [ ص: 265 ] أخي استنفرنا الله خفافا وثقالا ، من يحبه الله يبتليه ، ثم يعيده فيبتليه ، إنما يبتلي الله من عباده من شكر وصبر وذكر ولم يعبد إلا الله .
16746 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا إسماعيل ، عن أبي صالح : ( انفروا خفافا وثقالا ) ، قال : كل شيخ وشاب .
وقال آخرون : معنى ذلك : مشاغيل وغير مشاغيل .
ذكر من قال ذلك :
16747 - حدثنا ابن بشار قالا : حدثنا وابن وكيع عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن الحكم في قوله : ( انفروا خفافا وثقالا ) ، قال : مشاغيل وغير مشاغيل .
وقال آخرون : معناه : انفروا أغنياء وفقراء .
ذكر من قال ذلك : [ ص: 266 ]
16748 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عمن ذكره ، عن أبي صالح : ( انفروا خفافا وثقالا ) ، قال : أغنياء وفقراء .
وقال آخرون : معناه : نشاطا وغير نشاط .
ذكر من قال ذلك :
16749 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( انفروا خفافا وثقالا ) ، يقول : انفروا نشاطا وغير نشاط .
16750 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر عن قتادة : ( خفافا وثقالا ) ، قال : نشاطا وغير نشاط .
وقال آخرون : معناه : ركبانا ومشاة .
ذكر من قال ذلك :
16751 - حدثنا علي بن سهل قال : حدثنا الوليد قال : قال أبو عمرو : إذا كان النفر إلى دروب الشأم ، نفر الناس إليها "خفافا" ، ركبانا ، وإذا كان النفر إلى هذه السواحل ، نفروا إليها " خفافا وثقالا " ، ركبانا ومشاة .
وقال آخرون : معنى ذلك : ذا ضيعة ، وغير ذي ضيعة .
ذكر من قال ذلك :
16752 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( انفروا خفافا وثقالا ) ، قال : "الثقيل" ، الذي له الضيعة ، فهو ثقيل يكره أن يضيع ضيعته ويخرج و"الخفيف" الذي لا ضيعة له ، فقال الله : ( انفروا خفافا وثقالا ) .
16753 - حدثنا ابن عبد الأعلى قال : حدثنا المعتمر ، عن أبيه قال : [ ص: 267 ] زعم حضرمي أنه ذكر له أن ناسا كانوا عسى أن يكون أحدهم عليلا أو كبيرا فيقول : إن أجتنبه إباء ، فإني آثم! فأنزل الله : ( انفروا خفافا وثقالا ) .
16754 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا قال : حدثنا ابن علية أيوب ، عن محمد قال : شهد أبو أيوب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا ، ثم لم يتخلف عن غزاة للمسلمين إلا وهو في أخرى ، إلا عاما واحدا . وكان أيوب يقول : ( انفروا خفافا وثقالا ) ، فلا أجدني إلا خفيفا أو ثقيلا .
16755 - حدثنا علي بن سهل قال : حدثنا قال : حدثنا الوليد بن مسلم حريز بن عثمان ، عن ، عمن رأى راشد بن سعد المقداد بن الأسود فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم على تابوت من توابيت الصيارفة بحمص ، وقد فضل عنها من عظمه ، فقلت له : لقد أعذر الله إليك! فقال : أبت علينا "سورة البعوث" ، ( انفروا خفافا وثقالا ) . [ ص: 268 ]
16756 - حدثنا سعيد بن عمرو السكوني قال : حدثنا بقية بن الوليد قال : حدثنا حريز قال : حدثني عبد الرحمن بن ميسرة قال : حدثني أبو راشد الحبراني قال : وافيت المقداد بن الأسود فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا على تابوت من توابيت الصيارفة بحمص ، قد فضل عنها من عظمه ، يريد الغزو ، فقلت له : لقد أعذر الله إليك! فقال : أبت علينا "سورة البحوث" : ( انفروا خفافا وثقالا ) . [ ص: 269 ]
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره أمر المؤمنين بالنفر لجهاد أعدائه في سبيله ، خفافا وثقالا . وقد يدخل في "الخفاف" كل من كان سهلا عليه النفر لقوة بدنه على ذلك ، وصحة جسمه وشبابه ، ومن كان ذا يسر بمال وفراغ من الاشتغال ، وقادرا على الظهر والركاب .
ويدخل في "الثقال" ، كل من كان بخلاف ذلك ، من ضعيف الجسم وعليله وسقيمه ، ومن معسر من المال ، ومشتغل بضيعة ومعاش ، ومن كان لا ظهر له ولا ركاب ، والشيخ ذو السن والعيال .
فإذ كان قد يدخل في "الخفاف" و"الثقال" من وصفنا من أهل الصفات التي ذكرنا ، ولم يكن الله - جل ثناؤه - خص من ذلك صنفا دون صنف في الكتاب ، ولا على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا نصب على خصوصه دليلا وجب أن يقال : إن الله - جل ثناؤه - أمر المؤمنين من أصحاب رسوله بالنفر للجهاد في سبيله خفافا وثقالا مع رسوله صلى الله عليه وسلم ، على كل حال من أحوال الخفة والثقل .
16757 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا إسرائيل ، عن سعيد بن مسروق ، عن قال : أول ما نزل من "براءة" : ( مسلم بن صبيح انفروا خفافا وثقالا ) . [ ص: 270 ]
16758 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن أبي الضحى ، مثله .
16759 - حدثنا الحارث قال : حدثنا القاسم قال : حدثنا حجاج ، عن ، عن ابن جريج مجاهد قال : إن أول ما نزل من "براءة" : ( لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ) ، قال : يعرفهم نصره ، ويوطنهم لغزوة تبوك .