القول في فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون ( 55 ) ) تأويل قوله (
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .
فقال بعضهم : معناه : فلا تعجبك ، يا محمد ، أموال هؤلاء المنافقين ولا أولادهم في الحياة الدنيا ، إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة . وقال : معنى ذلك التقديم ، وهو مؤخر .
ذكر من قال ذلك :
16804 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم ) ، قال : هذه من تقاديم الكلام ، [ ص: 296 ] يقول : لا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا ، إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة .
16805 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا ، بما ألزمهم فيها من فرائضه .
ذكر من قال ذلك :
16806 - حدثت عن المسيب بن شريك ، عن سلمان الأنصري ، عن الحسن : ( إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا ) ، قال : بأخذ الزكاة والنفقة في سبيل الله .
16807 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا ) ، بالمصائب فيها ، هي لهم عذاب ، وهي للمؤمنين أجر .
قال أبو جعفر : وأولى التأويلين بالصواب في ذلك عندنا ، التأويل الذي ذكرنا عن الحسن . لأن ذلك هو الظاهر من التنزيل ، فصرف تأويله إلى ما دل عليه ظاهره ، أولى من صرفه إلى باطن لا دلالة على صحته .
وإنما وجه من وجه ذلك إلى التقديم وهو مؤخر ، لأنه لم يعرف لتعذيب الله المنافقين بأموالهم وأولادهم في الحياة الدنيا ، وجها يوجهه إليه ، وقال : كيف يعذبهم [ ص: 297 ] بذلك في الدنيا ، وهي لهم فيها سرور؟ وذهب عنه توجيهه إلى أنه من عظيم العذاب عليه إلزامه ما أوجب الله عليه فيها من حقوقه وفرائضه ، إذ كان يلزمه ويؤخذ منه وهو غير طيب النفس ، ولا راج من الله جزاء ، ولا من الآخذ منه حمدا ولا شكرا ، على ضجر منه وكره .
وأما قوله : ( وتزهق أنفسهم وهم كافرون ) ، فإنه يعني وتخرج أنفسهم ، فيموتوا على كفرهم بالله ، وجحودهم نبوة نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم .
يقال منه : "زهقت نفس فلان ، وزهقت" ، فمن قال : "زهقت" قال : "تزهق" ، ومن قال : "زهقت" ، قال : "تزهق" ، "زهوقا" ، ومنه قيل : "زهق فلان بين أيدي القوم يزهق زهوقا" إذا سبقهم فتقدمهم . ويقال : "زهق الباطل" ، إذا ذهب ودرس .