قال أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - : ما الصدقات إلا للفقراء والمساكين ، ومن سماهم الله - - جل ثناؤه - - .
ثم اختلف أهل التأويل في " . صفة " الفقير " " والمسكين
فقال بعضهم : " الفقير " المحتاج المتعفف عن المسألة ، " والمسكين " المحتاج السائل .
ذكر من قال ذلك :
16818 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا جرير عن أشعث عن الحسن : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) قال : " الفقير " الجالس في بيته " والمسكين " الذي يسعى .
16819 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله قال : حدثنا معاوية عن علي عن ابن عباس قوله : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) قال : " المساكين " الطوافون ، " والفقراء " فقراء المسلمين .
16820 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو أسامة عن جرير بن حازم قال : حدثني رجل ، عن جابر بن زيد : أنه سئل عن " الفقراء " ، قال : " الفقراء " المتعففون ، " والمساكين " الذين يسألون . [ ص: 306 ] 16821 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا معقل بن عبيد الله الجزري قال : سألت الزهري عن قوله : ( إنما الصدقات للفقراء ) قال : الذين في بيوتهم لا يسألون ، " والمساكين " الذين يخرجون فيسألون .
16822 - حدثنا الحارث قال : حدثنا القاسم قال : حدثنا يحيى بن سعيد عن عبد الوارث بن سعيد عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : " الفقير " الذي لا يسأل ، " والمسكين " الذي يسأل .
16823 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) قال : " الفقراء " الذين لا يسألون الناس ، أهل حاجة ، " والمساكين " الذين يسألون الناس .
16824 - حدثنا الحارث قال : حدثني عبد العزيز قال : حدثنا عبد الوارث عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : " الفقراء " الذين لا يسألون ، " والمساكين " الذين يسألون .
وقال آخرون : " الفقير " هو ذو الزمانة من أهل الحاجة ، " والمسكين " هو الصحيح الجسم منهم .
ذكر من قال ذلك :
16825 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) قال : " الفقير " من به زمانة " والمسكين " الصحيح المحتاج . [ ص: 307 ] 16826 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) أما " الفقير " فالزمن الذي به زمانة ، وأما " المسكين " فهو الذي ليست به زمانة .
وقال آخرون : " الفقراء " فقراء المهاجرين ، " والمساكين " من لم يهاجر من المسلمين ، وهو محتاج .
ذكر من قال ذلك :
16827 - حدثنا الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا جرير بن حازم عن علي بن الحكم عن الضحاك بن مزاحم : ( إنما الصدقات للفقراء ) قال : فقراء المهاجرين " والمساكين " الذين لم يهاجروا .
16828 - . . . . . . قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم : ( إنما الصدقات للفقراء ) المهاجرين . قال سفيان : يعني ولا يعطى الأعراب منها شيئا .
16829 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثني أبي ، عن سفيان عن منصور عن إبراهيم قال : كان يقال : إنما الصدقة لفقراء المهاجرين .
16830 - . . . . . . قال : حدثنا جرير عن منصور عن إبراهيم قال : كانت تجعل الصدقة في فقراء المهاجرين ، وفي سبيل الله .
16831 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يعقوب عن جعفر عن سعيد بن جبير قالا : كان ناس من المهاجرين لأحدهم الدار ، والزوجة ، والعبد ، والناقة يحج عليها ويغزو ، فنسبهم الله إلى أنهم فقراء ، وجعل لهم سهما في الزكاة . وسعيد بن عبد الرحمن بن أبزى
16832 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا [ ص: 308 ] سفيان عن منصور عن إبراهيم قال : كان يقال : إنما الصدقات في فقراء المهاجرين ، وفي سبيل الله .
وقال آخرون : " المسكين " الضعيف الكسب .
ذكر من قال ذلك :
16833 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا قال : أخبرنا ابن علية ابن عون عن محمد قال : قال عمر : ليس الفقير بالذي لا مال له ، ولكن الفقير الأخلق الكسب . قال يعقوب : قال : " الأخلق " المحارف عندنا . ابن علية
16834 - حدثنا ابن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين : أن - رحمه الله - قال : ليس المسكين بالذي لا مال له ، ولكن المسكين الأخلق الكسب . عمر بن الخطاب
وقال بعضهم : " الفقير " من المسلمين ، " والمسكين " من أهل الكتاب .
ذكر من قال ذلك :
16835 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا عمر بن نافع قال : سمعت عكرمة في قوله : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) قال : لا تقولوا لفقراء المسلمين " مساكين " إنما " المساكين " مساكين أهل الكتاب .
قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب قول من قال : " الفقير " [ ص: 309 ] هو ذو الفقر أو الحاجة ، ومع حاجته يتعفف عن مسألة الناس والتذلل لهم في هذا الموضع ، " والمسكين " هو المحتاج المتذلل للناس بمسألتهم .
وإنما قلنا إن ذلك كذلك - وإن كان الفريقان لم يعطيا إلا بالفقر والحاجة دون الذلة والمسألة - لإجماع الجميع من أهل العلم أن " المسكين " إنما يعطى من الصدقة المفروضة بالفقر ، وأن معنى " المسكنة " عند العرب الذلة ، كما قال الله - جل ثناؤه - : ( وضربت عليهم الذلة والمسكنة ) [ سورة البقرة : 61 ] . يعني بذلك : الهون والذلة لا الفقر . فإذا كان الله - جل ثناؤه - قد صنف من قسم له من الصدقة المفروضة قسما بالفقر ، فجعلهم صنفين ، كان معلوما أن كل صنف منهم غير الآخر . وإذ كان ذلك كذلك ، كان لا شك أن المقسوم له باسم " الفقير " غير المقسوم له باسم الفقر " والمسكنة " ، والفقير المعطى ذلك باسم الفقير المطلق هو الذي لا مسكنة فيه . والمعطى باسم المسكنة والفقر هو الجامع إلى فقره المسكنة ، وهي الذل بالطلب والمسألة .
فتأويل الكلام - إذ كان ذلك معناه - : إنما الصدقات للفقراء : المتعفف منهم الذي لا يسأل ، والمتذلل منهم الذي يسأل .
وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنحو الذي قلنا في ذلك خبر .
16836 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا إسماعيل بن جعفر عن شريك بن أبي نمر عن عن عطاء بن يسار قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أبي هريرة لا يسألون الناس إلحافا ) [ سورة البقرة : 273 ] . [ ص: 310 ] ومعنى قوله - صلى الله عليه وسلم - : " " ليس المسكين بالذي ترده اللقمة واللقمتان ، والتمرة والتمرتان ، إنما المسكين المتعفف . اقرءوا إن شئتم : ( " على نحو ما قد جرى به استعمال الناس من تسميتهم أهل الفقر " مساكين " لا على تفصيل المسكين من الفقير . إنما المسكين المتعفف
ومما ينبئ عن أن ذلك كذلك انتزاعه - صلى الله عليه وسلم - بقول الله : اقرءوا إن شئتم : ( لا يسألون الناس إلحافا ) وذلك في صفة من ابتدأ الله ذكره ووصفه بالفقر فقال : ( للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا ) [ سورة البقرة : 273 ] .
وقوله : ( والعاملين عليها ) وهم السعاة في قبضها من أهلها ، ووضعها في مستحقيها ، يعطون ذلك بالسعاية ، أغنياء كانوا أو فقراء .
وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
16837 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا قال : سألت معقل بن عبيد الله الزهري : عن " العاملين عليها " فقال : السعاة .
16838 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة : ( والعاملين عليها ) قال : جباتها الذين يجمعونها ويسعون فيها .
16839 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : [ ص: 311 ] ( والعاملين عليها ) الذي يعمل عليها .
ثم اختلف أهل التأويل في من ذلك . قدر ما يعطى العامل
فقال بعضهم : يعطى منه الثمن .
ذكر من قال ذلك :
16840 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا حميد بن عبد الرحمن عن حسن بن صالح عن جويبر عن الضحاك قال : للعاملين عليها الثمن من الصدقة .
16841 - حدثت عن عن مسلم بن خالد ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : ( والعاملين عليها ) قال : يأكل العمال من السهم الثامن .
وقال آخرون : بل يعطى على قدر عمالته .
ذكر من قال ذلك :
16842 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء عن الأخضر بن عجلان قال : حدثنا عطاء بن زهير العامري عن أبيه أنه لقي فسأله عن الصدقة : أي مال هي ؟ فقال : مال العرجان والعوران والعميان ، وكل منقطع به . فقال له : إن للعاملين حقا والمجاهدين ! قال : إن المجاهدين قوم أحل لهم ، والعاملين عليها على قدر عمالتهم . ثم قال : لا تحل الصدقة لغني ، ولا لذي مرة سوي [ ص: 312 ] 16843 - حدثني عبد الله بن عمرو بن العاص يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : يكون للعامل عليها إن عمل بالحق . ولم يكن عمر - رحمه الله تعالى - ولا أولئك يعطون العامل الثمن ، إنما يفرضون له بقدر عمالته .
16844 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا جرير عن أشعث عن الحسن : ( والعاملين عليها ) قال : كان يعطى العاملون .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال : يعطى العامل عليها على قدر عمالته وأجر مثله .
وإنما قلنا : ذلك أولى بالصواب ؛ لأن الله - جل ثناؤه - لم يقسم صدقة الأموال بين الأصناف الثمانية على ثمانية أسهم ، وإنما عرف خلقه أن الصدقات لن تجاوز هؤلاء الأصناف الثمانية إلى غيرهم . وإذ كان كذلك - بما سنوضح بعد ، وبما قد أوضحناه في موضع آخر - كان معلوما أن من أعطى منها حقا ، فإنما يعطي على قدر اجتهاد المعطى فيه . وإذا كان ذلك كذلك ، وكان العامل عليها إنما يعطى على عمله ، لا على الحاجة التي تزول بالعطية ، كان معلوما أن الذي أعطاه من ذلك إنما هو عوض من سعيه وعمله ، وأن ذلك إنما هو قدر يستحقه عوضا من عمله الذي لا يزول بالعطية ، وإنما يزول بالعزل .
وأما " والمؤلفة قلوبهم " فإنهم قوم كانوا يتألفون على الإسلام ، ممن لم تصح نصرته ، استصلاحا به نفسه وعشيرته كأبي سفيان بن حرب وعيينة بن بدر [ ص: 313 ] والأقرع بن حابس ونظرائهم من رؤساء القبائل .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
16845 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( والمؤلفة قلوبهم ) وهم قوم كانوا يأتون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أسلموا ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرضخ لهم من الصدقات ، فإذا أعطاهم من الصدقات فأصابوا منها خيرا قالوا : هذا دين صالح ! وإن كان غير ذلك عابوه وتركوه .
16846 - حدثنا ابن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن : أن المؤلفة قلوبهم من يحيى بن أبي كثير بني أمية : ومن أبو سفيان بن حرب بني مخزوم : الحارث بن هشام وعبد الرحمن بن يربوع ومن بني جمح : صفوان بن أمية ومن بني عامر بن لؤي : سهيل بن عمرو ومن وحويطب بن عبد العزى بني أسد بن عبد العزى : حكيم بن حزام ومن بني هاشم : سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ومن بني فزارة : عيينة بن حصن بن بدر ومن بني تميم : الأقرع بن حابس ومن بني نصر : مالك بن عوف ومن بني سليم : العباس بن مرداس ومن ثقيف : العلاء بن حارثة أعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - كل رجل منهم مائة ناقة ، إلا عبد الرحمن بن يربوع فإنه أعطى كل رجل منهم خمسين . وحويطب بن عبد العزى
16847 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا [ ص: 314 ] عيسى قال : حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن الزهري قال : صفوان بن أمية : لقد أعطاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنه لأبغض الناس إلي ، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي . قال
16848 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : ناس كان يتألفهم بالعطية عيينة بن بدر ومن كان معه .
16849 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث عن حماد بن سلمة عن يونس عن الحسن : ( والمؤلفة قلوبهم ) : الذين يؤلفون على الإسلام .
16850 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة : وأما " والمؤلفة قلوبهم " فأناس من الأعراب ومن غيرهم ، كان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - يتألفهم بالعطية كيما يؤمنوا .
16851 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا قال : سألت معقل بن عبيد الله الزهري عن قوله : ( والمؤلفة قلوبهم ) فقال : من أسلم من يهودي أو نصراني . قلت : وإن كان غنيا ؟ قال : وإن كان غنيا .
16852 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا معقل بن عبيد الله الجزري عن الزهري : ( والمؤلفة قلوبهم ) قال : من هو يهودي أو نصراني . [ ص: 315 ] ثم اختلف أهل العلم في وجود المؤلفة اليوم وعدمها ، وهل يعطى اليوم أحد على التألف على الإسلام من الصدقة ؟
فقال بعضهم : قد بطلت المؤلفة قلوبهم اليوم ، ولا سهم لأحد في الصدقة المفروضة إلا لذي حاجة إليها ، وفي سبيل الله ، أو لعامل عليها .
ذكر من قال ذلك :
16853 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا جرير عن أشعث عن الحسن : ( والمؤلفة قلوبهم ) قال : أما " المؤلفة قلوبهم " فليس اليوم .
16854 - حدثنا أحمد قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا إسرائيل عن جابر عن عامر قال : لم يبق في الناس اليوم من المؤلفة قلوبهم ، إنما كانوا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
16855 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا هشيم قال : حدثنا عبد الرحمن بن يحيى عن حبان بن أبي جبلة قال : قال - رضي الله تعالى عنه - : وأتاه عمر بن الخطاب عيينة بن حصن : ( الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) [ سورة الكهف : 29 ] ، أي : ليس اليوم مؤلفة .
168856 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا مبارك عن الحسن قال : ليس اليوم مؤلفة .
16857 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل عن جابر عن عامر قال : إنما كانت المؤلفة قلوبهم على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما ولي أبو بكر - رحمة الله تعالى عليه - انقطعت الرشا .
وقال آخرون : " المؤلفة قلوبهم " في كل زمان ، وحقهم في الصدقات .
ذكر من قال ذلك :
16858 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا [ ص: 316 ] إسرائيل عن جابر عن أبي جعفر قال : في الناس اليوم : المؤلفة قلوبهم .
16859 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل عن جابر عن أبي جعفر مثله .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي : أن الله جعل الصدقة في معنيين : أحدهما : سد خلة المسلمين ، والآخر : معونة الإسلام وتقويته . فما كان في معونة الإسلام وتقوية أسبابه فإنه يعطاه الغني والفقير ؛ لأنه لا يعطاه من يعطاه بالحاجة منه إليه ، وإنما يعطاه معونة للدين . وذلك كما يعطى الذي يعطاه بالجهاد في سبيل الله ، فإنه يعطى ذلك غنيا كان أو فقيرا للغزو لا لسد خلته . وكذلك المؤلفة قلوبهم ، يعطون ذلك وإن كانوا أغنياء ؛ استصلاحا بإعطائهموه أمر الإسلام وطلب تقويته وتأييده . وقد أعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - من أعطى من المؤلفة قلوبهم بعد أن فتح الله عليه الفتوح ، وفشا الإسلام وعز أهله . فلا حجة لمحتج بأن يقول : " لا يتألف اليوم على الإسلام أحد ؛ لامتناع أهله بكثرة العدد ممن أرادهم " وقد أعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - من أعطى منهم في الحال التي وصفت .
وأما قوله : ( وفي الرقاب ) فإن أهل التأويل اختلفوا في معناه .
فقال بعضهم ، وهم الجمهور الأعظم : هم المكاتبون يعطون منها في فك رقابهم .
ذكر من قال ذلك :
16860 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن الحسن بن دينار عن الحسين : أن مكاتبا قام إلى - رحمه الله تعالى - وهو يخطب الناس يوم الجمعة ، فقال له : أيها الأمير ، حث الناس علي ! فحث [ ص: 317 ] عليه أبي موسى الأشعري أبو موسى فألقى الناس عليه عمامة وملاءة وخاتما ، حتى ألقوا سوادا كثيرا ، فلما رأى أبو موسى ما ألقي عليه قال : اجمعوه فجمع ، ثم أمر به فبيع . فأعطى المكاتب مكاتبته ، ثم أعطى الفضل في الرقاب ، ولم يرده على الناس ، وقال : إنما أعطى الناس في الرقاب .
16861 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا قال : سألت معقل بن عبيد الله الزهري عن قوله : ( وفي الرقاب ) قال : المكاتبون .
16862 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( وفي الرقاب ) قال : المكاتب .
16863 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا سهل بن يوسف عن عمرو عن الحسن : ( وفي الرقاب ) قال : هم المكاتبون .
وروي عن ابن عباس أنه قال : لا بأس أن تعتق الرقبة من الزكاة .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي قول من قال : " عنى بالرقاب في هذا الموضع المكاتبون " ؛ لإجماع الحجة على ذلك ، فإن الله جعل الزكاة حقا واجبا على من أوجبها عليه في ماله ، يخرجها منه ، لا يرجع إليه منها نفع من عرض الدنيا ولا عوض . والمعتق رقبة منها راجع إليه ولاء من أعتقه ، وذلك نفع يعود إليه منها .
وأما " الغارمون " فالذين استدانوا في غير معصية الله ، ثم لم يجدوا قضاء في عين ولا عرض .
وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : [ ص: 318 ] 16864 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا سفيان عن عثمان بن الأسود عن مجاهد قال : " الغارمون " من احترق بيته ، أو يصيبه السيل فيذهب متاعه ، ويدان على عياله ، فهذا من الغارمين .
16865 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري عن عثمان بن الأسود عن مجاهد في قوله : ( والغارمين ) قال : من احترق بيته ، وذهب السيل بماله ، وادان على عياله .
16866 - حدثنا أحمد قال : حدثنا إسرائيل عن جابر عن أبي جعفر قال : " الغارمين " المستدين في غير سرف ، ينبغي للإمام أن يقضي عنهم من بيت المال .
16867 - . . . . . . قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا قال : سألنا معقل بن عبيد الله الزهري عن " الغارمين " قال : أصحاب الدين .
16868 - . . . . . . قال : حدثنا معقل عن عبد الكريم قال : حدثني خادم خدمه عشرين سنة قال : كتب لعمر بن عبد العزيز عمر بن عبد العزيز : أن يعطى الغارمون ، قال أحمد : أكثر ظني من الصدقات .
16869 - . . . . . . قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا سفيان عن جابر ، عن أبي جعفر قال : " الغارمون " المستدين في غير سرف .
16870 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة : أما " الغارمون " فقوم غرقتهم الديون في غير إملاق ، ولا تبذير ولا فساد .
16871 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : " الغارم " الذي يدخل عليه الغرم .
16872 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا يحيى بن يمان عن عثمان بن الأسود عن مجاهد : ( والغارمين ) قال : هو الذي يذهب السيل والحريق بماله ، ويدان على عياله . [ ص: 319 ] 16873 - . . . . . . قال : حدثنا أبي ، عن سفيان عن جابر عن أبي جعفر قال : المستدين في غير فساد .
16874 - . . . . . . قال : حدثني أبي ، عن إسرائيل عن جابر عن أبي جعفر قال : " الغارمون " الذين يستدينون في غير فساد ، ينبغي للإمام أن يقضي عنهم .
16875 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان عن عثمان بن الأسود عن مجاهد : هم قوم ركبتهم الديون في غير فساد ولا تبذير ، فجعل الله لهم في هذه الآية سهما .
وأما قوله : ( وفي سبيل الله ) فإنه يعني : وفي النفقة في نصرة دين الله وطريقه وشريعته التي شرعها لعباده ، بقتال أعدائه ، وذلك هو غزو الكفار .
وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
16876 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( وفي سبيل الله ) قال : الغازي في سبيل الله .
16877 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان عن عن زيد بن أسلم قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " عطاء بن يسار . [ ص: 320 ] 16878 - . . . . . . قال : حدثنا أبي ، عن لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة : رجل عمل عليها ، أو رجل اشتراها بماله ، أو في سبيل الله ، أو ابن السبيل ، أو رجل كان له جار تصدق عليه فأهداها له عن ابن أبي ليلى عطية عن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أبي سعيد الخدري . لا تحل الصدقة لغني إلا لثلاثة : في سبيل الله ، أو ابن السبيل ، أو رجل كان له جار فتصدق عليه ، فأهداها له
وأما قوله : ( وابن السبيل ) فالمسافر الذي يجتاز من بلد إلى بلد .
" والسبيل " : الطريق ، وقيل للضارب فيه : " ابن السبيل " للزومه إياه ، كما قال الشاعر :
أنا ابن الحرب ربتني وليدا إلى أن شبت واكتهلت لداتي
وكذلك تفعل العرب ، تسمي اللازم للشيء يعرف به : " ابنه " .وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
16879 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا سفيان عن جابر عن أبي جعفر قال : " ابن السبيل " المجتاز من أرض إلى أرض .
16880 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا [ ص: 321 ] مندل عن ليث عن مجاهد : ( وابن السبيل ) قال : لابن السبيل حق من الزكاة وإن كان غنيا ، إذا كان منقطعا به .
16881 - حدثنا أحمد قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا قال : سألت معقل بن عبيد الله الزهري عن " ابن السبيل " قال : يأتي علي ابن السبيل ، وهو محتاج . قلت : فإن كان غنيا ؟ قال : وإن كان غنيا .
16882 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة : ( وابن السبيل ) الضيف جعل له فيها حق .
16883 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال [ ابن زيد ] : " ابن السبيل " المسافر من كان غنيا أو فقيرا ، إذا أصيبت نفقته ، أو فقدت ، أو أصابها شيء ، أو لم يكن معه شيء ، فحقه واجب .
16884 - حدثنا أحمد قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا هشيم عن جويبر عن الضحاك أنه قال : في الغني إذا سافر فاحتاج في سفره ، قال : يأخذ من الزكاة .
16885 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان عن جابر عن أبي جعفر قال : " ابن السبيل " المجتاز من الأرض إلى الأرض .
وقوله : ( فريضة من الله ) ) يقول - جل ثناؤه - : قسم قسمه الله لهم ، فأوجبه في أموال أهل الأموال لهم ( والله عليم ) بمصالح خلقه فيما فرض لهم ، وفي غير ذلك لا يخفى عليه شيء . فعلى علم منه فرض ما فرض من الصدقة وبما فيها من المصلحة ( حكيم ) في تدبيره خلقه ، لا يدخل في تدبيره خلل . [ ص: 322 ] واختلف أهل العلم في التي ذكرها الله في هذه الآية ، وهل يجب لكل صنف من الأصناف الثمانية فيها حق ، أو ذلك إلى رب المال ؟ ومن يتولى قسمها ، في أن له أن يعطي جميع ذلك من شاء من الأصناف الثمانية . كيفية قسم الصدقات
فقال عامة أهل العلم : للمتولي - قسمها ووضعها في أي الأصناف الثمانية شاء . وإنما سمى الله الأصناف الثمانية في الآية إعلاما منه خلقه أن الصدقة لا تخرج من هذه الأصناف الثمانية إلى غيرها ، لا إيجابا لقسمها بين الأصناف الثمانية الذين ذكرهم .
ذكر من قال ذلك :
16886 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا هارون عن الحجاج بن أرطاة عن عن المنهال بن عمرو زر بن حبيش عن حذيفة في قوله : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها ) قال : إن شئت جعلته في صنف واحد ، أو صنفين ، أو لثلاثة .
16887 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو معاوية عن الحجاج عن المنهال عن زر عن حذيفة قال : إذا وضعتها في صنف واحد أجزأ عنك .
16888 - . . . . . . قال : حدثنا جرير عن ليث عن عطاء عن عمر : ( إنما الصدقات للفقراء ) قال : أيما صنف أعطيته من هذا أجزأك .
16889 - . . . . . . قال : حدثنا ابن نمير عن عبد المطلب عن عطاء : ( إنما الصدقات للفقراء ) الآية ، قال : لو وضعتها في صنف واحد من هذه الأصناف أجزأك . ولو نظرت إلى أهل بيت من المسلمين فقراء متعففين فجبرتهم بها ، كان أحب إلي .
16890 - . . . . . . قال : أخبرنا جرير عن عطاء عن سعيد بن جبير : ( " إنما الصدقات للفقراء والمساكين وابن السبيل " ) فأي صنف أعطيته من هذه الأصناف أجزأك . [ ص: 323 ] 16891 - . . . . . . قال : حدثنا عمران بن عيينة عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله .
16892 - . . . . . . قال : حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها ) قال : إنما هذا شيء أعلمه ، فأي صنف من هذه الأصناف أعطيته أجزأ عنك .
16893 - . . . . . . قال : حدثنا أبي ، عن شعبة عن الحكم عن إبراهيم : ( إنما الصدقات للفقراء ) قال : في أي هذه الأصناف وضعتها أجزأك .
16894 - . . . . . . قال : حدثنا أبي ، عن سفيان عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير قال : إذا وضعتها في صنف واحد مما سمى الله أجزأك .
16895 - . . . . . . قال : حدثنا أبي ، عن عن أبي جعفر الرازي الربيع بن أنس عن أبي العالية قال : إذا وضعتها في صنف واحد مما سمى الله أجزأك .
16896 - . . . . . . قال : حدثنا خالد بن حيان أبو يزيد عن جعفر بن برقان عن : ( ميمون بن مهران إنما الصدقات للفقراء ) قال : إذا جعلتها في صنف واحد من هؤلاء أجزأ عنك .
16897 - . . . . . . قال : حدثنا محمد بن بشر عن مسعود عن عطاء عن سعيد بن جبير : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) الآية ، قال : أعلم أهلها من هم .
16898 - . . . . . . قال : حدثنا حفص عن ليث عن عطاء عن عمر : أنه كان يأخذ الفرض في الصدقة ، ويجعلها في صنف واحد .
وكان بعض المتأخرين يقول : إذا تولى رب المال قسمها كان عليه وضعها في ستة أصناف ، وذلك أن المؤلفة قلوبهم عنده قد ذهبوا ، وأن سهم العاملين [ ص: 324 ] يبطل بقسمه إياها . ويزعم أنه لا يجزيه أن يعطي من كل صنف أقل من ثلاثة أنفس . وكان يقول : إن تولى قسمها الإمام كان عليه أن يقسمها على سبعة أصناف ، لا يجزئ عنده غير ذلك .