القول في تأويل قوله ( فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا ( 69 ) )
قال أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : قل يا محمد لهؤلاء المنافقين الذين قالوا : ( إنما كنا نخوض ونلعب ) : أبالله وآيات كتابه ورسوله كنتم تستهزئون ؟ ( كالذين من قبلكم ) من الأمم الذين فعلوا فعلكم ، فأهلكهم الله ، وعجل لهم في الدنيا الخزي ، مع ما أعد لهم من العقوبة والنكال في الآخرة . يقول لهم - جل ثناؤه - : واحذروا أن يحل بكم من عقوبة الله مثل الذي حل بهم ، فإنهم كانوا أشد منكم قوة وبطشا ، وأكثر منكم أموالا وأولادا ( فاستمتعوا بخلاقهم ) يقول : فتمتعوا بنصيبهم وحظهم من دنياهم ودينهم ، ورضوا بذلك من نصيبهم في الدنيا عوضا من نصيبهم في الآخرة ، [ ص: 341 ] وقد سلكتم - أيها المنافقون - سبيلهم في الاستمتاع بخلاقكم . يقول : فعلتم بدينكم ودنياكم كما استمتع الأمم الذين كانوا من قبلكم ، الذين أهلكتهم بخلافهم أمري ( بخلاقهم ) يقول : كما فعل الذين من قبلكم بنصيبهم من دنياهم ودينهم ( وخضتم ) في الكذب والباطل على الله ( كالذي خاضوا ) يقول : وخضتم أنتم أيضا - أيها المنافقون - كخوض تلك الأمم قبلكم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
16930 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني أبو معشر عن عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أبي هريرة : اقرءوا إن شئتم القرآن : ( أبو هريرة كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا ) قالوا : يا رسول الله ، كما صنعت فارس والروم ؟ قال : فهل الناس إلا هم ؟ لتأخذن كما أخذ الأمم من قبلكم ، ذراعا بذراع ، وشبرا بشبر ، وباعا بباع ، حتى لو أن أحدا من أولئك دخل جحر ضب لدخلتموه ! قال
16931 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج [ ص: 342 ] عن عن ابن جريج عمر بن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس قوله : ( كالذين من قبلكم ) الآية . قال : قال ابن عباس : ما أشبه الليلة بالبارحة ! ( كالذين من قبلكم ) هؤلاء بنو إسرائيل شبهنا بهم ، لا أعلم إلا أنه قال : والذي نفسي بيده لتتبعنهم حتى لو دخل الرجل منهم جحر ضب لدخلتموه .
16932 - . . . . . . قال : وأخبرنا ابن جريج زياد بن سعد عن محمد بن زيد بن مهاجر عن عن سعيد بن أبي سعيد المقبري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أبي هريرة ، وذراعا بذراع ، وباعا بباع ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ! قالوا : ومن هم ، يا رسول الله ؟ أهل الكتاب ؟ قال : فمه ؟ لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر . [ ص: 343 ] 16933 - حدثنا والذي نفسي بيده القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن قال : قال ابن جريج أبو سعيد الخدري أنه قال : فمن ؟ .
16934 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن الحسن : ( فاستمتعوا بخلاقهم ) قال : بدينهم .
16935 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " حذركم أن تحدثوا في الإسلام حدثا ، وقد علم أنه سيفعل ذلك أقوام من هذه الأمة ، فقال الله في ذلك : ( فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا ) . وإنما حسبوا أن لا يقع بهم من الفتنة ما وقع ببني إسرائيل قبلهم ، وأن الفتنة عائدة كما بدأت . [ ص: 344 ] وأما قوله : ( أولئك حبطت أعمالهم ) فإن معناه : هؤلاء الذين قالوا : ( إنما كنا نخوض ونلعب ، وفعلوا في ذلك فعل الهالكين من الأمم قبلهم ( حبطت أعمالهم ) يقول : ذهبت أعمالهم باطلا . فلا ثواب لها إلا النار ؛ لأنها كانت فيما يسخط الله ويكرهه ( وأولئك هم الخاسرون ) يقول : وأولئك هم المغبونون صفقتهم ، ببيعهم نعيم الآخرة بخلاقهم من الدنيا اليسير الزهيد