القول في تأويل قوله : ( " 95 995 " إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم ( 95 ) )
قال أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - : سيحلف - أيها المؤمنون بالله - لكم هؤلاء المنافقون الذين فرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله ( إذا انقلبتم إليهم ) يعني : إذا انصرفتم إليهم من غزوكم ( لتعرضوا عنهم ) فلا تؤنبوهم ( فأعرضوا عنهم ) يقول - جل ثناؤه - للمؤمنين : فدعوا تأنيبهم ، وخلوهم وما اختاروا لأنفسهم من الكفر والنفاق ( إنهم رجس ومأواهم جهنم ) يقول : إنهم نجس ( ومأواهم جهنم ) يقول : ومصيرهم إلى جهنم ، وهي مسكنهم الذي يأوونه في الآخرة ( جزاء بما كانوا يكسبون ) يقول : ثوابا بأعمالهم التي كانوا يعملونها في الدنيا من معاصي الله . [ ص: 426 ] وذكر أن هذه الآية نزلت في رجلين من المنافقين قالا ما : -
17090 - حدثنا به محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا ) إلى : ( بما كانوا يكسبون ) وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قيل له : ألا تغزو بني الأصفر ، لعلك أن تصيب بنت عظيم الروم ، فإنهن حسان . فقال رجلان : قد علمت - يا رسول الله - أن النساء فتنة ، فلا تفتنا بهن ، فائذن لنا ، فأذن لهما . فلما انطلقا ، قال أحدهما : إن هو إلا شحمة لأول آكل ، فسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم ينزل عليه في ذلك شيء ، فلما كان ببعض الطريق ، نزل عليه وهو على بعض المياه : ( لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة ) [ سورة التوبة : 42 ] ، ونزل عليه : ( عفا الله عنك لم أذنت لهم ) [ سورة التوبة : 43 ] ، ونزل عليه : ( لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر ) [ سورة التوبة : 44 ] ، ونزل عليه : ( إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون ) . فسمع ذلك رجل ممن غزا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتاهم وهم خلفهم ، فقال : تعلمون أن قد نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعدكم قرآن ؟ قالوا : ما الذي سمعت ؟ قال : ما أدري غير أني سمعت أنه يقول : " إنهم رجس " . فقال رجل يدعى " مخشيا " والله لوددت أني أجلد مائة جلدة ، وأني لست معكم . [ ص: 427 ] فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ما جاء بك ؟ فقال : وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسفعه الريح ، وأنا في الكن . فأنزل الله عليه : ( ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ) [ سورة التوبة : 49 ] ، ( وقالوا لا تنفروا في الحر ) [ سورة التوبة : 81 ] ، ونزل عليه في الرجل الذي قال : " لوددت أني أجلد مائة جلدة " قول الله : ( يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم ) [ سورة التوبة : 64 ] فقال رجل مع رسول الله : لئن كان هؤلاء كما يقولون ما فينا خير . فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له : أنت صاحب الكلمة التي سمعت ؟ " فقال : لا والذي أنزل عليك الكتاب ، فأنزل الله فيه : ( ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم ) [ سورة التوبة : 74 ] ، وأنزل فيه : ( وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين ) [ سورة التوبة : 47 ] .
17091 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب قال : أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك : عبد الله بن كعب قال : سمعت يقول : لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كعب بن مالك تبوك جلس للناس ، فلما فعل ذلك جاء المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ، ويحلفون له ، وكانوا بضعة وثمانين رجلا ، فقبل منهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علانيتهم ، وبايعهم ، واستغفر لهم ، ووكل سرائرهم إلى الله ، وصدقته حديثي ، فقال كعب : والله ما أنعم الله علي من نعمة قط ، بعد أن هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا ، إن الله قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر [ ص: 428 ] ما قال لأحد : ( سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون ) إلى قوله : ( فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ) . أن