[ ص: 464 ] القول في تأويل قوله : ( وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم    ( 106 ) ) 
قال أبو جعفر   : يقول - تعالى ذكره - : ومن هؤلاء المتخلفين عنكم حين شخصتم لعدوكم - أيها المؤمنون - آخرون . 
ورفع قوله : " آخرون " عطفا على قوله : ( وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا   ) . 
( وآخرون مرجون   ) يعني : مرجئون لأمر الله وقضائه . 
يقال منه : " أرجأته أرجئه إرجاء وهو مرجأ " بالهمز وترك الهمز ، وهما لغتان معناهما واحد . وقد قرأت القرأة بهما جميعا . 
وقيل : عني بهؤلاء الآخرين نفر ممن كان تخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك ، فندموا على ما فعلوا ، ولم يعتذروا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند مقدمه ، ولم يوثقوا أنفسهم بالسواري ، فأرجأ الله أمرهم إلى أن صحت توبتهم ، فتاب عليهم وعفا عنهم . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
17174 - حدثني المثنى  قال : حدثنا أبو صالح  ، حدثني معاوية  ، عن علي  ، عن ابن عباس  قال : وكان ثلاثة منهم - يعني من المتخلفين عن  [ ص: 465 ] غزوة تبوك   - لم يوثقوا أنفسهم بالسواري ، أرجئوا سبتة ، لا يدرون أيعذبون أو يتاب عليهم ، فأنزل الله : ( لقد تاب الله على النبي والمهاجرين   ) إلى قوله : ( إن الله هو التواب الرحيم   )  [ سورة التوبة : 117 ، 118 ] . 
17175 - حدثني محمد بن سعد  قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس  قال : لما نزلت هذه الآية يعني : قوله : ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها   ) أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أموالهم يعني من أموال أبي لبابة  وصاحبيه فتصدق بها عنهم ، وبقي الثلاثة الذين خالفوا أبا لبابة  ولم يوثقوا ، ولم يذكروا بشيء ، ولم ينزل عذرهم ، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت . وهم الذين قال الله : ( وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم   ) . فجعل الناس يقولون : هلكوا ؛ إذ لم ينزل لهم عذر ، وجعل آخرون يقولون : عسى الله أن يغفر لهم ، فصاروا مرجئين لأمر الله ، حتى نزلت : ( لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة   ) الذين خرجوا معه إلى الشام   ( من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم   ) ثم قال : ( وعلى الثلاثة الذين خلفوا   ) يعني المرجئين لأمر الله . نزلت عليهم التوبة ، فعموا بها ، فقال : ( حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم   ) إلى قوله : ( إن الله هو التواب الرحيم   ) . 
17176 - حدثنا ابن وكيع  قال : حدثنا سويد بن عمرو  ، عن حماد بن زيد  ، عن أيوب  ، عن عكرمة   : ( وآخرون مرجون لأمر الله   ) قال : هم الثلاثة الذين خلفوا . 
17177 - حدثني محمد بن عمرو  قال : حدثنا أبو عاصم  قال : حدثنا  [ ص: 466 ] عيسى  ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد   : ( وآخرون مرجون لأمر الله   ) قال : هلال بن أمية  ومرارة بن ربعي   وكعب بن مالك  من الأوس  والخزرج   . 
17178 - حدثني المثنى  قال : حدثنا أبو حذيفة  قال : حدثنا شبل  ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد   : ( وآخرون مرجون لأمر الله   ) هلال بن أمية  ومرارة بن ربعي   وكعب بن مالك  من الأوس  والخزرج   . 
17179 - . . . . . . قال : حدثنا إسحاق  قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر  ، عن ورقاء  ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد  مثله . 
17180 - حدثنا القاسم  قال : حدثنا الحسين  قال : حدثني حجاج  ، عن  ابن جريج  ، عن مجاهد  مثله . 
17181 - . . . . . . قال : حدثنا الحسين  قال : حدثنا هشيم  قال : أخبرنا جويبر  ، عن الضحاك  مثله . 
17182 - حدثت عن الحسين  قال : سمعت أبا معاذ  يقول : أخبرنا عبيد  قال : سمعت الضحاك  يقول في قوله : ( وآخرون مرجون لأمر الله   ) هم الثلاثة الذين خلفوا عن التوبة يريد غير أبي لبابة  وأصحابه . ولم ينزل الله عذرهم ، فضاقت عليهم الأرض بما رحبت . وكان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيهم فرقتين : فرقة تقول : " هلكوا " حين لم ينزل الله فيهم ما أنزل في أبي لبابة  وأصحابه .  [ ص: 467 ] وتقول فرقة أخرى : " عسى الله أن يعفو عنهم " . وكانوا مرجئين لأمر الله . ثم أنزل الله رحمته ومغفرته فقال : ( لقد تاب الله على النبي والمهاجرين   ) الآية . وأنزل : ( وعلى الثلاثة الذين خلفوا   ) الآية . 
17183 - حدثنا بشر  قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا سعيد  ، عن قتادة  قوله : ( وآخرون مرجون لأمر الله   ) قال : كنا نحدث أنهم الثلاثة الذين خلفوا   :  كعب بن مالك  وهلال بن أمية  ومرارة بن ربيعة  رهط من الأنصار . 
17184 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى  قال : حدثنا محمد بن ثور  ، عن معمر  ، عن قتادة   : ( وآخرون مرجون لأمر الله   ) قال : هم الثلاثة الذين خلفوا . 
17185 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا سلمة  ، عن ابن إسحاق   : ( وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم   ) وهم الثلاثة الذين خلفوا ، وأرجأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرهم ، حتى أتتهم توبتهم من الله . 
وأما قوله : ( إما يعذبهم   ) فإنه يعني : إما أن يحجزهم الله عن التوبة بخذلانه فيعذبهم بذنوبهم التي ماتوا عليها في الآخرة ( وإما يتوب عليهم   ) يقول : وإما يوفقهم للتوبة فيتوبوا من ذنوبهم فيغفر لهم ( والله عليم حكيم   ) يقول : والله ذو علم بأمرهم وما هم صائرون إليه من التوبة والمقام على الذنب ( حكيم ) في تدبيرهم وتدبير من سواهم من خلقه ، لا يدخل حكمه خلل . 
				
						
						
