القول في تأويل قوله : ( لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم ( 110 ) )
قال أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - : لا يزال بنيان هؤلاء الذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا ( ريبة ) يقول : لا يزال مسجدهم الذي بنوه ( ريبة في قلوبهم ) [ ص: 495 ] يعني : شكا ونفاقا في قلوبهم ، يحسبون أنهم كانوا في بنائه محسنين ( إلا أن تقطع قلوبهم ) يعني : إلا أن تتصدع قلوبهم فيموتوا ( والله عليم ) بما عليه هؤلاء المنافقون الذين بنوا مسجد الضرار من شكهم في دينهم ، وما قصدوا في بنائهموه وأرادوه ، وما إليه صائر أمرهم في الآخرة ، وفي الحياة ما عاشوا ، وبغير ذلك من أمرهم وأمر غيرهم . ( حكيم ) في تدبيره إياهم ، وتدبير جميع خلقه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
17251 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : ( لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم ) يعني شكا ( إلا أن تقطع قلوبهم ) يعني الموت .
17252 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( ريبة في قلوبهم ) قال : شكا في قلوبهم ( إلا أن تقطع قلوبهم ) إلا أن يموتوا .
17253 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم ) يقول : حتى يموتوا . [ ص: 496 ] 17254 - حدثني مطر بن محمد الضبي قال : حدثنا أبو قتيبة قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد في قوله : ( إلا أن تقطع قلوبهم ) قال : إلا أن يموتوا .
17255 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( إلا أن تقطع قلوبهم ) قال : يموتوا .
17256 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( إلا أن تقطع قلوبهم ) قال : يموتوا .
17257 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
17258 - . . . . . . قال : حدثنا سويد قال : حدثنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن قتادة والحسن : ( لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم ) قالا : شكا في قلوبهم .
17259 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا إسحاق الرازي قال : حدثنا أبو سنان عن حبيب : ( لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم ) قال : غيظا في قلوبهم .
17260 - . . . . . . قال : حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( إلا أن تقطع قلوبهم ) قال : يموتوا .
17261 - . . . . . . قال : حدثنا إسحاق الرازي ، عن أبي سنان ، عن حبيب : ( إلا أن تقطع قلوبهم ) : إلا أن يموتوا .
17262 - . . . . . . قال : حدثنا قبيصة ، عن سفيان ، عن : ( السدي ريبة في قلوبهم ) قال : كفر . قلت : أكفر مجمع بن جارية ؟ قال : لا ولكنها حزازة . [ ص: 497 ] 17263 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا سفيان ، عن : ( السدي لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم ) قال : حزازة في قلوبهم .
17264 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم ) لا يزال ريبة في قلوبهم راضين بما صنعوا ، كما حبب العجل في قلوب أصحاب موسى . وقرأ : ( وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم ) [ سورة البقرة : 93 ] قال : حبه ( إلا أن تقطع قلوبهم ) قال : لا يزال ذلك في قلوبهم حتى يموتوا يعني المنافقين .
17265 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا قيس ، عن ، عن السدي إبراهيم : ( ريبة في قلوبهم ) قال شكا . قال : قلت : يا أبا عمران تقول هذا وقد قرأت القرآن ؟ قال : إنما هي حزازة .
واختلفت القرأة في قراءة قوله : ( إلا أن تقطع قلوبهم ) .
فقرأ ذلك بعض قرأة الحجاز والمدينة والبصرة والكوفة : " إلا أن تقطع قلوبهم " بضم التاء من " تقطع " على أنه لم يسم فاعله ، وبمعنى : إلا أن يقطع الله قلوبهم .
وقرأ ذلك بعض قرأة المدينة والكوفة : ( إلا أن تقطع قلوبهم ) بفتح التاء من " تقطع " على أن الفعل للقلوب . بمعنى : إلا أن تتقطع قلوبهم ، ثم حذفت إحدى التاءين .
وذكر أن الحسن كان يقرأ : " إلى أن تقطع قلوبهم " بمعنى : حتى تتقطع قلوبهم .
وذكر أنها في قراءة عبد الله : " ولو قطعت قلوبهم " . وعلى الاعتبار بذلك [ ص: 498 ] قرأ من قرأ ذلك : " إلا أن تقطع " بضم التاء .
قال أبو جعفر : والقول عندي في ذلك أن الفتح في التاء والضم متقاربا المعنى ؛ لأن القلوب لا تتقطع إذا تقطعت إلا بتقطيع الله إياها ، ولا يقطعها الله إلا وهي متقطعة . وهما قراءتان معروفتان ، قد قرأ بكل واحدة منهما جماعة من القرأة ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب في قراءته .
وأما قراءة ذلك : " إلى أن تقطع " فقراءة لمصاحف المسلمين مخالفة ، ولا أرى القراءة بخلاف ما في مصاحفهم جائزة .