قال أبو جعفر : يقول ، تعالى ذكره : إلى ربكم الذي صفته ما وصف جل ثناؤه في الآية قبل هذه ، معادكم ، أيها الناس ، يوم القيامة جميعا . ( وعد الله حقا ) فأخرج ( وعد الله ) مصدرا من قوله : ( إليه مرجعكم ) ، لأنه فيه معنى " الوعد " ومعناه : يعدكم الله أن يحييكم بعد مماتكم وعدا حقا ، فلذلك نصب ( وعد الله حقا ) ( إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ) يقول ، تعالى ذكره : إن ربكم يبدأ إنشاء الخلق وإحداثه وإيجاده ( ثم يعيده ) ، يقول : ثم يعيده فيوجده حيا كهيئته يوم ابتدأه ، بعد فنائه وبلائه . كما :
17548 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : ( يبدأ الخلق ثم يعيده ) ، قال : يحييه ثم يميته قال أبو جعفر : وأحسبه أنا قال : " ثم يحييه " .
17549 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عبد الله بن رجاء عن عن ابن جريج عبد الله بن كثير عن مجاهد : ( يبدأ الخلق ثم يعيده ) ، قال : يحييه ثم يميته ، ثم يحييه .
17550 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن [ ص: 21 ] ابن أبي نجيح عن مجاهد : ( إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ) ، : يحييه ، ثم يميته ، ثم يبدؤه ، ثم يحييه .
17551 - . . . . قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد بنحوه .
وقرأت قراء الأمصار ذلك : ( إنه يبدأ الخلق ) ، بكسر الألف من ( إنه ) على الاستئناف .
وذكر عن أنه قرأه ( أنه ) بفتح الألف من ( أنه ) . أبي جعفر الرازي
كأنه أراد : حقا أنه يبدأ الخلق ثم يعيده ، ف " أن " حينئذ تكون رفعا ، كما قال الشاعر :
أحقا عباد الله أن لست زائرا ربى جنة إلا علي رقيب
وقوله : ( ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط ) ، يقول : ثم يعيده من بعد مماته كهيئته قبل مماته عند بعثه من قبره ( ليجزي الذين آمنوا ) ليثيب من صدق الله ورسوله وعملوا ما أمرهم الله به من الأعمال ، واجتنبوا ما نهاهم عنه ، على أعمالهم الحسنة ( بالقسط ) يقول : ليجزيهم على الحسن من أعمالهم التي عملوها في الدنيا الحسن من الثواب ، والصالح من الجزاء في الآخرة وذلك هو " القسط " ، و " القسط " العدل والإنصاف ، كما :
17552 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن [ ص: 22 ] ابن أبي نجيح عن مجاهد : ( بالقسط ) بالعدل .
وقوله : ( والذين كفروا لهم شراب من حميم ) فإنه جل ثناؤه ابتدأ الخبر عما أعد الله للذين كفروا من العذاب ، وفيه معنى العطف على الأول ؛ لأنه تعالى ذكره عم بالخبر عن معاد جميعهم - كفارهم ومؤمنيهم - إليه ، ثم أخبر أن إعادتهم ليجزي كل فريق بما عمل ؛ المحسن منهم بالإحسان ، والمسيء بالإساءة . ولكن لما كان قد تقدم الخبر المستأنف عما أعد للذين كفروا من العذاب ، ما يدل سامع ذلك على المراد ، ابتدأ الخبر ، والمعني العطف فقال : والذين جحدوا الله ورسوله وكذبوا بآيات الله ( لهم شراب ) في جهنم ( من حميم ) وذلك شراب قد أغلي واشتد حره ، حتى إنه فيما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم ليتساقط من أحدهم حين يدنيه منه فروة رأسه ، وكما وصفه جل ثناؤه : ( كالمهل يشوي الوجوه ) ، [ سورة الكهف : 29 ] .
وأصله : " مفعول " صرف إلى " فعيل " وإنما هو " محموم " : أي مسخن ، وكل مسخن عند العرب فهو حميم .
ومنه قول المرقش :
وكل يوم لها مقطرة فيها كباء معد وحميم
يعني ب " الحميم " ، الماء المسخن .
وقوله : ( عذاب أليم ) ، يقول : ولهم مع ذلك عذاب موجع ، سوى الشراب من الحميم ، بما كانوا يكفرون بالله ورسوله .