قال أبو جعفر : يقول ، تعالى ذكره : ولو يعجل الله للناس إجابة دعائهم في الشر ، وذلك فيما عليهم مضرة في نفس أو مال ( استعجالهم بالخير ) ، يقول : كاستعجاله لهم في الخير بالإجابة إذا دعوه به ( لقضي إليهم أجلهم ) ، يقول : لهلكوا ، وعجل لهم الموت ، وهو الأجل .
وعنى بقوله : ( لقضي ) ، لفرغ إليهم من أجلهم ، ونبذ إليهم ، كما قال أبو ذؤيب : [ ص: 34 ]
وعليهما مسرودتان قضاهما داود ، أو صنع السوابغ تبع
( فنذر الذين لا يرجون لقاءنا ) ، يقول :
فندع الذين لا يخافون عقابنا ، ولا يوقنون بالبعث ولا بالنشور ، ( في طغيانهم ) ، يقول : في تمردهم وعتوهم ، ( يعمهون ) يعني : يترددون .
وإنما أخبر جل ثناؤه عن هؤلاء الكفرة بالبعث بما أخبر به عنهم ، من طغيانهم وترددهم فيه عند تعجيله إجابة دعائهم في الشر لو استجاب لهم ، أن ذلك كان يدعوهم إلى التقرب إلى الوثن الذي يشرك به أحدهم ، أو يضيف ذلك إلى أنه من فعله .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
17572 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : ( ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير ) ، قال : قول الإنسان إذا غضب لولده وماله : " لا بارك الله فيه ولعنه " !
17573 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : ( ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير ) ، قال : قول الإنسان لولده وماله إذا غضب عليه : " اللهم لا تبارك فيه والعنه " ! [ ص: 35 ] فلو يعجل الله الاستجابة لهم في ذلك ، كما يستجاب في الخير لأهلكهم .
17574 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : ( ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير ) ، قال : قول الإنسان لولده وماله إذا غضب عليه : " اللهم لا تبارك فيه والعنه " ( لقضي إليهم أجلهم ) قال : لأهلك من دعا عليه ولأماته .
17575 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن عن ابن جريج مجاهد قوله : ( ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير ) ، قال : قول الرجل لولده إذا غضب عليه أو ماله : " اللهم لا تبارك فيه والعنه " ! قال الله : ( لقضي إليهم أجلهم ) ، قال : لأهلك من دعا عليه ولأماته . قال : ( فنذر الذين لا يرجون لقاءنا ) ، قال يقول : لا نهلك أهل الشرك ، ولكن نذرهم في طغيانهم يعمهون .
17576 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة قوله : ( ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير ) ، قال : هو دعاء الرجل على نفسه وماله بما يكره أن يستجاب له .
17577 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( لقضي إليهم أجلهم ) ، قال : لأهلكناهم . وقرأ : ( ما ترك على ظهرها من دابة ) ، [ سورة فاطر : 45 ] . قال : يهلكهم كلهم .
ونصب قوله : ( استعجالهم ) ، بوقوع ( يعجل ) عليه ، كقول القائل : " قمت اليوم قيامك " بمعنى : قمت كقيامك ، وليس بمصدر من ( يعجل ) ، لأنه لو كان مصدرا لم يحسن دخول " الكاف " أعني كاف التشبيه فيه . [ ص: 36 ]
واختلفت القرأة في قراءة قوله : ( لقضي إليهم أجلهم ) .
فقرأ ذلك عامة قراء الحجاز والعراق : ( لقضي إليهم أجلهم ) ، على وجه ما لم يسم فاعله ، بضم القاف من " قضي " ورفع " الأجل " .
وقرأ عامة أهل الشام : ( لقضى إليهم أجلهم ) ، بمعنى : لقضى الله إليهم أجلهم .
قال أبو جعفر : وهما قراءتان متفقتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ، غير أني أقرؤه على وجه ما لم يسم فاعله ، لأن عليه أكثر القراء .