قال أبو جعفر : يقول ، تعالى ذكره : الله الذي يسيركم ، أيها الناس ، في البر على الظهر وفي البحر في الفلك ( حتى إذا كنتم في الفلك ) ، وهي السفن ( وجرين بهم ) يعني : وجرت الفلك بالناس ( بريح طيبة ) ، في البحر ( وفرحوا بها ) ، يعني : وفرح ركبان الفلك بالريح الطيبة التي يسيرون بها . [ ص: 51 ]
و " الهاء " في قوله : " بها " عائدة على " الريح الطيبة " .
( جاءتها ريح عاصف ) ، يقول : جاءت الفلك ريح عاصف ، وهي الشديدة .
والعرب تقول : " ريح عاصف ، وعاصفة " ، و " وقد أعصفت الريح ، وعصفت " و " أعصفت " ، في بني أسد فيما ذكر ، قال بعض بني دبير :
حتى إذا أعصفت ريح مزعزعة فيها قطار ورعد صوته زجل
( وجاءهم الموج من كل مكان ) يقول ، تعالى ذكره : وجاء ركبان السفينة الموج من كل مكان ( وظنوا أنهم أحيط بهم ) ، يقول : وظنوا أن الهلاك قد أحاط بهم وأحدق ( دعوا الله مخلصين له الدين ) ، يقول : أخلصوا الدعاء لله هنالك ، دون أوثانهم وآلهتهم ، وكان مفزعهم حينئذ إلى الله دونها ، كما :
17595 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة في قوله : ( دعوا الله مخلصين له الدين ) ، قال : إذا مسهم الضر في البحر أخلصوا له الدعاء .
17596 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة في قوله : ( مخلصين له الدين ) ، " هيا شرا هيا " تفسيره : يا حي يا قيوم .
17597 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في [ ص: 52 ] قوله : ( وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم ) إلى آخر الآية ، قال : هؤلاء المشركون يدعون مع الله ما يدعون ، . فإذا كان الضر لم يدعوا إلا الله ، فإذا نجاهم إذا هم يشركون
( لئن أنجيتنا ) من هذه الشدة التي نحن فيها ( لنكونن من الشاكرين ) ، لك على نعمك ، وتخليصك إيانا مما نحن فيه ، بإخلاصنا العبادة لك ، وإفراد الطاعة دون الآلهة والأنداد .
واختلفت القرأة في قراءة قوله : ( هو الذي يسيركم ) فقرأته عامة قراء الحجاز والعراق : ( هو الذي يسيركم ) من " السير " بالسين .
وقرأ ذلك أبو جعفر القاري : ( هو الذي ينشركم ) ، من " النشر " ، وذلك البسط من قول القائل : " نشرت الثوب " وذلك بسطه ونشره من طيه .
فوجه أبو جعفر معنى ذلك إلى أن الله يبعث عباده فيبسطهم برا وبحرا وهو قريب المعنى من " التسيير " .
وقال : ( وجرين بهم بريح طيبة ) ، وقال في موضع آخر : ( في الفلك المشحون ) ، فوحد [ سورة يس : 41 ] .
والفلك : اسم للواحدة ، والجماع ، ويذكر ويؤنث .
قال : ( وجرين بهم ) ، وقد قال ( هو الذي يسيركم ) فخاطب ، ثم عاد [ ص: 53 ] إلى الخبر عن الغائب . وقد بينت ذلك في غير موضع من الكتاب ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
وجواب قوله : ( حتى إذا كنتم في الفلك ) ( وجاءتها ريح عاصف ) .
وأما جواب قوله : ( وظنوا أنهم أحيط بهم ) ف ( دعوا الله مخلصين له الدين ) .