[ ص: 558 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين ( 5 ) )
قال أبو جعفر : يقول جل ذكره قال : يعقوب لابنه يوسف : " يا بني لا تقصص رؤياك" ، هذه ، "على إخوتك" ، فيحسدوك "فيكيدوا لك كيدا" ، يقول : فيبغوك الغوائل ، ويناصبوك العداوة ، ويطيعوا فيك الشيطان . ( إن الشيطان للإنسان عدو مبين ) ، يقول : إن الشيطان لآدم وبنيه عدو ، قد أبان لهم عداوته وأظهرها . يقول : فاحذر الشيطان أن يغري إخوتك بك بالحسد منهم لك ، إن أنت قصصت عليهم رؤياك .
وإنما قال يعقوب ذلك ، لأنه قد كان تبين له من إخوته قبل ذلك حسدا ، كما : -
18788 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد العنقزي ، عن أسباط ، عن ، قال : نزل السدي يعقوب الشأم ، فكان همه يوسف وأخاه ، فحسده إخوته لما رأوا حب أبيه له . ورأى يوسف في المنام كأن أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رآهم له ساجدين ، فحدث بها أباه فقال : ( يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا ) ، الآية .
واختلف أهل العربية في فيكيدوا لك كيدا ) . وجه دخول"اللام" في قوله (
فقال بعض نحويي البصرة : معناه : فيتخذوا لك كيدا وليست مثل : [ ص: 559 ] ( إن كنتم للرؤيا تعبرون ) [ سورة يوسف : 43 ] تلك أرادوا أن يوصل الفعل إليها باللام ، كما يوصل بالباء ، كما تقول : "قدمت له طعاما" ، تريد قدمت إليه ، وقال : ( يأكلن ما قدمتم لهن ) ، [ سورة يوسف : 48 ] ومثله قوله : ( قل الله يهدي للحق ) [ سورة يونس : 35 ] قال : وإن شئت كان : ( فيكيدوا لك كيدا ) ، في معنى : "فيكيدوك" ، وتجعل اللام مثل : ( لربهم يرهبون ) [ سورة الأعراف : 154 ] وقد قال"لربهم يرهبون" إنما هو بمكان : "ربهم يرهبون" .
وقال بعضهم : أدخلت اللام في ذلك ، كما تدخل في قولهم : "حمدت لك" و"شكرت لك" ، و"حمدتك" و"شكرتك" . وقال : هذه لام جلبها الفعل ، فكذلك قوله : ( فيكيدوا لك كيدا ) تقول : فيكيدوك ، أو : يكيدوا لك ، فيقصدوك ، ويقصدوا لك ، قال : و "كيدا" : توكيد .