قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ( قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ) ، يعنون أخاه لأبيه وأمه ، وهو يوسف ، كما : -
19596 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا شبابة قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ) ، ليوسف .
19597 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
19598 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله ، عن [ ص: 195 ] ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ) ، قال : يعني يوسف .
19599 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ، عن ابن جريج مجاهد : ( فقد سرق أخ له من قبل ) ، قال : يوسف .
وقد اختلف أهل التأويل في " السرق " الذي وصفوا به يوسف .
فقال بعضهم : كان صنما لجده أبي أمه ، كسره وألقاه على الطريق .
ذكر من قال ذلك :
19600 - حدثنا أحمد بن عمرو البصري قال : حدثنا الفيض بن الفضل قال : حدثنا مسعر ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير : ( إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ) ، قال : سرق يوسف صنما لجده أبي أمه ، كسره وألقاه في الطريق ، فكان إخوته يعيبونه بذلك .
19601 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( فقد سرق أخ له من قبل ) ذكر أنه سرق صنما لجده أبي أمه ، فعيروه بذلك .
19602 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ) : أرادوا بذلك عيب نبي الله يوسف . وسرقته التي عابوه بها ، صنم كان لجده أبي أمه ، فأخذه ، إنما أراد نبي الله بذلك الخير ، فعابوه .
19603 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن [ ص: 196 ] في قوله : ( ابن جريج إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ) ، قال : كانت أم يوسف أمرت يوسف يسرق صنما لخاله يعبده ، وكانت مسلمة .
وقال آخرون في ذلك ما : -
19604 - حدثنا به أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : سمعت أبي قال : كان بنو يعقوب على طعام ، إذ نظر يوسف إلى عرق فخبأه ، فعيروه بذلك ( إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ) .
وقال آخرون في ذلك بما : -
19605 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة عن ابن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن قال : كان أول ما دخل على مجاهد أبي الحجاج يوسف من البلاء ، فيما بلغني أن عمته ابنة إسحاق ، وكانت أكبر ولد إسحاق ، وكانت إليها [ صارت ] منطقة إسحاق وكانوا يتوارثونها بالكبر ، فكان من اختانها ممن وليها كان له سلما لا ينازع فيه ، يصنع فيه ما شاء . وكان يعقوب حين ولد له يوسف ، كان قد حضنه عمته فكان معها وإليها ، فلم يحب أحد شيئا من الأشياء حبها إياه . حتى إذا ترعرع وبلغ سنوات ، ووقعت نفس [ ص: 197 ] يعقوب عليه ، أتاها فقال : يا أخية سلمي إلي يوسف ، فوالله ما أقدر على أن يغيب عني ساعة ! قالت : فوالله ما أنا بتاركته ، والله ما أقدر أن يغيب عني ساعة ! قال : فوالله ما أنا بتاركه ! قالت : فدعه عندي أياما أنظر إليه وأسكن عنه ، لعل ذلك يسليني عنه أو كما قالت . فلما خرج من عندها يعقوب عمدت إلى منطقة إسحاق فحزمتها على يوسف من تحت ثيابه ، ثم قالت : لقد فقدت منطقة إسحاق ، فانظروا من أخذها ومن أصابها؟ فالتمست ، ثم قالت : كشفوا أهل البيت ! فكشفوهم ، فوجدوها مع يوسف ، فقالت : والله إنه لي لسلم ، أصنع فيه ما شئت . قال : وأتاها يعقوب فأخبرته الخبر ، فقال لها : أنت وذاك إن كان فعل ذلك ، فهو سلم لك ، ما أستطيع غير ذلك . فأمسكته فما قدر عليه حتى ماتت . قال : فهو الذي يقول إخوة يوسف حين صنع بأخيه ما صنع حين أخذه : ( إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ) .
قال ابن حميد . قال ابن إسحاق : لما رأى بنو يعقوب ما صنع إخوة يوسف ، ولم يشكوا أنه سرق ، قالوا أسفا عليه ، لما دخل عليهم في أنفسهم تأنيبا له : ( إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ) . فلما سمعها يوسف قال : ( أنتم شر مكانا ) ، [ ص: 198 ] سرا في نفسه ( ولم يبدها لهم ) ( والله أعلم بما تصفون ) .
وقوله : ( فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون ) ، يعني بقوله : ( فأسرها ) ، فأضمرها .
وقال : ( فأسرها ) فأنث ، لأنه عنى بها " الكلمة " ، وهي : " ( أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون ) . ولو كانت جاءت بالتذكير كان جائزا ، كما قيل : ( تلك من أنباء الغيب ) [ سورة هود : 49 ] ، و ( ذلك من أنباء القرى ) ، [ سورة هود : 100 ]
وكنى عن " الكلمة " . ولم يجر لها ذكر متقدم . والعرب تفعل ذلك كثيرا ، إذا كان مفهوما المعنى المراد عند سامعي الكلام . وذلك نظير قول حاتم الطائي :
أماوي ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
[ ص: 199 ]يريد : وضاق بالنفس الصدر فكنى عنها ولم يجر لها ذكر ، إذ كان في قوله : " إذا حشرجت يوما " ، دلالة لسامع كلامه على مراده بقوله : " وضاق بها " . ومنه قول الله : ( ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم ) [ سورة النحل : 110 ] ، فقال : " من بعدها " ، ولم يجر قبل ذلك ذكر لاسم مؤنث .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
19606 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم ) ، أما الذي أسر في نفسه فقوله : ( أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون ) .
19607 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون ) ، قال هذا القول .
19608 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم ) ، يقول : أسر في نفسه قوله : ( أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون ) .
وقوله : ( والله أعلم بما تصفون ) ، يقول : والله أعلم بما تكذبون فيما تصفون به أخاه بنيامين .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : [ ص: 200 ]
19609 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا شبابة قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون ) ، يقولون : يوسف يقوله .
19610 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
19611 - حدثني المثنى قال : أخبرنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
19612 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( والله أعلم بما تصفون ) ، أي : بما تكذبون .
قال أبو جعفر : فمعنى الكلام إذا : فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم ، قال : أنتم شر عند الله منزلا ممن وصفتموه بأنه سرق ، وأخبث مكانا بما سلف من أفعالكم ، والله عالم بكذبكم ، وإن جهله كثير ممن حضر من الناس .
وذكر أن الصواع لما وجد في رحل أخي يوسف تلاوم القوم بينهم ، كما : -
19613 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن قال : لما استخرجت السرقة من رحل الغلام انقطعت ظهورهم ، وقالوا : يا بني السدي راحيل ، ما يزال لنا منكم بلاء! متى أخذت هذا الصوع؟ فقال بنيامين : بل بنو راحيل الذين لا يزال لهم منكم بلاء ، ذهبتم بأخي فأهلكتموه في البرية! وضع هذا الصواع في رحلي ، الذي وضع الدراهم في رحالكم! فقالوا : لا تذكر الدراهم فنؤخذ بها! فلما دخلوا على يوسف دعا بالصواع فنقر فيه ، ثم أدناه من أذنه ، ثم قال : إن صواعي هذا ليخبرني أنكم كنتم اثني عشر رجلا وأنكم انطلقتم [ ص: 201 ] بأخ لكم فبعتموه . فلما سمعها بنيامين ، قام فسجد ليوسف ، ثم قال : أيها الملك ، سل صواعك هذا عن أخي ، أحي هو؟ فنقره ، ثم قال : هو حي ، وسوف تراه . قال : فاصنع بي ما شئت ، فإنه إن علم بي فسوف يستنقذني . قال : فدخل يوسف فبكى ، ثم توضأ ، ثم خرج فقال بنيامين : أيها الملك إني أريد أن تضرب صواعك هذا فيخبرك بالحق ، فسله من سرقه فجعله في رحلي؟ فنقره فقال : إن صواعي هذا غضبان ، وهو يقول : كيف تسألني من صاحبي ، وقد رأيت مع من كنت؟ قال : وكان بنو يعقوب إذا غضبوا لم يطاقوا ، فغضب روبيل ، وقال : أيها الملك ، والله لتتركنا أو لأصيحن صيحة لا يبقى بمصر امرأة حامل إلا ألقت ما في بطنها ! وقامت كل شعرة في جسد روبيل ، فخرجت من ثيابه ، فقال يوسف لابنه : قم إلى جنب روبيل فمسه . وكان بنو يعقوب إذا غضب أحدهم فمسه الآخر ذهب غضبه ، فمر الغلام إلى جنبه فمسه ، فذهب غضبه ، فقال روبيل : من هذا؟ إن في هذا البلد لبزرا من بزر يعقوب ! فقال يوسف : من يعقوب؟ فغضب روبيل فقال : يا أيها الملك لا تذكر يعقوب ، فإنه سري الله ، ابن ذبيح الله ، ابن خليل الله . قال يوسف : أنت إذا كنت صادقا .