قال أبو جعفر : وفي الكلام متروك قد استغني بذكر ما ظهر عما حذف ، وذلك : فخرجوا راجعين إلى مصر حتى صاروا إليها ، فدخلوا على يوسف ( فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر ) ، أي الشدة من الجدب والقحط ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) . كما : -
19740 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : وخرجوا إلى مصر راجعين إليها ( ببضاعة مزجاة ) : أي قليلة ، لا تبلغ ما كانوا يتبايعون به ، إلا أن يتجاوز لهم فيها ، وقد رأوا ما نزل بأبيهم ، وتتابع البلاء عليه في ولده وبصره ، حتى قدموا على يوسف . فلما دخلوا عليه قالوا : ( يا أيها العزيز ) ، رجاء أن يرحمهم في شأن أخيهم ( مسنا وأهلنا الضر ) .
وعنى بقوله : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) بدراهم أو ثمن لا يجوز في ثمن الطعام إلا لمن يتجاوز فيها .
وأصل " الإزجاء " السوق بالدفع ، كما قال النابغة الذبياني :
وهبت الريح من تلقاء ذي أرل تزجي مع الليل من صرادها صرما
[ ص: 235 ]يعني تسوق وتدفع ; ومنه قول أعشى بني ثعلبة :
الواهب المئة الهجان وعبدها عوذا تزجي خلفها أطفالها
وقول حاتم :
ليبك على ملحان ضيف مدفع وأرملة تزجي مع الليل أرملا
يعني أنها تسوقه بين يديها على ضعف منه عن المشي وعجز ; ولذلك قيل : ( ببضاعة مزجاة ) ، لأنها غير نافقة ، وإنما تجوز تجويزا على وضع من آخذيها .
وقد اختلف أهل التأويل في البيان عن تأويل ذلك ، وإن كانت معاني بيانهم متقاربة .
ذكر أقوال أهل التأويل في ذلك :
19741 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وحدثنا وكيع ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( ببضاعة مزجاة ) قال : ردية زيوف لا تنفق حتى يوضع منها .
19742 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا عمرو بن محمد العنقزي قال : حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال : الردية التي لا تنفق حتى يوضع منها . [ ص: 236 ]
19743 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عثمان بن أبي سليمان ، عن ، عن ابن أبي مليكة ابن عباس : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال : خلق الغرارة والحبل والشيء .
19744 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عثمان بن أبي سليمان ، عن قال : سمعت ابن أبي مليكة ابن عباس ، وسئل عن قوله : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال : رثة المتاع والحبل والغرارة والشيء .
19745 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عثمان بن أبي سليمان ، عن ، عن ابن أبي مليكة ابن عباس ، مثله .
19746 - حدثنا محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال : " البضاعة " ، الدراهم ، و " المزجاة " غير طائل .
19747 - حدثني المثنى قال : حدثنا قال : أخبرنا عمرو بن عون هشيم ، عن ابن أبي زياد ، عمن حدثه ، عن ابن عباس قال : كاسدة غير طائل .
19748 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أبو بكر بن عياش قال : حدثنا أبو حصين ، عن سعيد بن جبير ، وعكرمة ، : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال سعيد : ناقصة وقال عكرمة : دراهم فسول . [ ص: 237 ]
19749 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير وعكرمة ، مثله .
19750 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وحدثنا وكيع ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير وعكرمة : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال أحدهما : ناقصة . وقال الآخر : ردية .
19751 - . . . وبه قال : حدثنا أبي عن سفيان ، عن ، عن يزيد بن أبي زياد عبد الله بن الحارث قال : كان سمنا وصوفا .
19752 - حدثنا الحسن قال : حدثنا ، عن علي بن عاصم قال : سأل رجل يزيد بن أبي زياد عبد الله بن الحارث وأنا عنده عن قوله : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال : قليلة ، متاع الأعراب : الصوف والسمن .
19753 - حدثنا إسحاق بن زياد القطان أبو يعقوب البصري ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق البلخي ، قال : حدثنا ، عن مروان بن معاوية الفزاري مروان بن عمرو العذري ، عن أبي إسماعيل ، عن أبي صالح ، في قوله : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال الصنوبر والحبة الخضراء .
19754 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن يزيد بن الوليد ، عن إبراهيم ، في قوله : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال : قليلة ، ألا تسمع إلى قوله : " فأوقر ركابنا " ، وهم يقرءون كذلك . [ ص: 238 ]
19755 - حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم ، أنه قال : ما أراها إلا القليلة ، لأنها في مصحف عبد الله : " وأوقر ركابنا " ، يعني قوله : " مزجاة " .
19756 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن القعقاع بن يزيد ، عن إبراهيم قال : قليلة ، ألم تسمع إلى قوله : " وأوقر ركابنا " ؟
19757 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد ، عن أبي بكر الهذلي ، عن سعيد بن جبير والحسن : بضاعة مزجاة قال سعيد : الردية وقال الحسن : القليلة .
19758 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن يزيد ، عن عبد الله بن الحارث قال : متاع الأعراب سمن وصوف .
19759 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن أبيه ، عن عطية قال : دراهم ليست بطائل .
19760 - حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( مزجاة ) ، قال : قليلة .
19761 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( مزجاة ) قال : قليلة .
19762 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
19763 - . . . قال : حدثنا قبيصة بن عقبة ، قال : حدثنا سفيان ، عن ، عن يزيد بن أبي زياد عبد الله بن الحارث : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) قال : شيء من صوف ، وشيء من سمن . [ ص: 239 ]
19764 - . . . قال : حدثنا ، قال : أخبرنا عمرو بن عون هشيم ، عن منصور ، عن الحسن قال : قليلة .
19765 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ، عن محمد بن بكر ، عمن حدثه ، عن ابن جريج مجاهد : ( مزجاة ) قال : قليلة .
19766 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ، عن ابن جريج مجاهد ، مثله .
19767 - . . . قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن عكرمة قال : ناقصة وقال سعيد بن جبير : فسول .
19768 - . . . قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن أبي بكر ، عن سعيد بن جبير : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال : ردية .
19769 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك قال : كاسدة لا تنفق .
19770 - حدثني المثنى ، قال : حدثنا ، قال أخبرنا عمرو بن عون هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك قال : كاسدة .
19771 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبدة ، عن جويبر ، عن الضحاك قال : كاسدة غير طائل .
19772 - حدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( ببضاعة مزجاة ) ، يقول : كاسدة غير نافقة .
19773 - حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) ، قال الناقصة وقال عكرمة : فيها تجوز . [ ص: 240 ]
19774 - . . . قال : حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : الدراهم الردية التي لا تجوز إلا بنقصان .
19775 - . . . قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد قال : الدراهم الرذال ، التي لا تجوز إلا بنقصان .
19776 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن قال : دراهم فيها جواز . السدي
19777 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) : ، أي : يسيرة .
19778 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .
19779 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) قال : " المزجاة " ، القليلة .
19780 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : ( وجئنا ببضاعة مزجاة ) : ، أي قليلة لا تبلغ ما كنا نشتري به منك ، إلا أن تتجاوز لنا فيها .
وقوله : ( فأوف لنا الكيل ) . . . . . بها وأعطنا بها ما كنت تعطينا [ ص: 241 ] قبل بالثمن الجيد والدراهم الجائزة الوافية التي لا ترد ، كما : -
19781 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : ( فأوف لنا الكيل ) : ، أي أعطنا ما كنت تعطينا قبل ، فإن بضاعتنا مزجاة .
19782 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن : ( السدي فأوف لنا الكيل ) قال : كما كنت تعطينا بالدراهم الجياد .
وقوله : ( وتصدق علينا ) يقول تعالى ذكره : قالوا : وتفضل علينا بما بين سعر الجياد والردية ، فلا تنقصنا من سعر طعامك لردي بضاعتنا ( إن الله يجزي المتصدقين ) ، يقول : إن الله يثيب المتفضلين على أهل الحاجة بأموالهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
19783 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن : ( السدي وتصدق علينا ) ، قال : تفضل بما بين الجياد والردية .
19784 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن أبي بكر ، عن سعيد بن جبير : ( فأوف لنا الكيل وتصدق علينا ) ، لا تنقصنا من السعر من أجل ردي دراهمنا .
واختلفوا في ، هل كانت حلالا للأنبياء قبل نبينا الصدقة محمد صلى الله عليه وسلم ، أو كانت حراما؟
فقال بعضهم : لم تكن حلالا لأحد من الأنبياء عليهم السلام .
ذكر من قال ذلك :
19785 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن أبي بكر ، عن سعيد بن جبير قال : ما سأل نبي قط الصدقة ، ولكنهم قالوا : [ ص: 242 ] ( جئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا ) ، لا تنقصنا من السعر .
وروي عن ابن عيينة ما : -
19786 - حدثني به الحارث ، قال : حدثنا القاسم قال : يحكى عن سفيان بن عيينة أنه سئل : هل حرمت الصدقة على أحد من الأنبياء قبل النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال : ألم تسمع قوله : ( فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين ) .
قال الحارث : قال القاسم : يذهب ابن عيينة إلى أنهم لم يقولوا ذلك إلا والصدقة لهم حلال ، وهم أنبياء ، فإن الصدقة إنما حرمت على محمد صلى الله عليه وسلم ، وعليهم .
وقال آخرون : إنما عنى بقوله : ( وتصدق علينا ) وتصدق علينا برد أخينا إلينا .
ذكر من قال ذلك :
19787 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ، قوله : ( ابن جريج وتصدق علينا ) قال : رد إلينا أخانا .
قال أبو جعفر : وهذا القول الذي ذكرناه عن ، وإن كان قولا له وجه ، فليس بالقول المختار في تأويل قوله : ( ابن جريج وتصدق علينا ) لأن " الصدقة " في متعارف [ العرب ] ، إنما هي إعطاء الرجل ذا حاجة بعض أملاكه ابتغاء ثواب الله [ ص: 243 ] عليه ، وإن كان كل معروف صدقة ، فتوجيه تأويل كلام الله إلى الأغلب من معناه في كلام من نزل القرآن بلسانه أولى وأحرى .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال مجاهد .
19788 - حدثني الحارث ، قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا مروان بن معاوية ، عن عثمان بن الأسود ، قال : سمعت ، وسئل : هل يكره أن يقول الرجل في دعائه : اللهم تصدق علي؟ فقال : نعم ، إنما الصدقة لمن يبغي الثواب . مجاهدا