القول في تأويل قوله تعالى : ( يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون ( 6 ) )
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : واذكر ، يا محمد ، إذ قال موسى بن عمران لقومه من بني إسرائيل : ( اذكروا نعمة الله عليكم ) ، التي أنعم بها عليكم ( إذ أنجاكم من آل فرعون ) ، يقول : حين أنجاكم من أهل دين فرعون وطاعته ( يسومونكم سوء العذاب ) ، أي يذيقونكم [ ص: 524 ] شديد العذاب ( ويذبحون أبناءكم ) ، مع إذاقتهم إياكم شديد العذاب [ يذبحون ] أبناءكم .
وأدخلت الواو في هذا الموضع؛ لأنه أريد بقوله : ( ويذبحون أبناءكم ) ، الخبر عن أن آل فرعون كانوا يعذبون بني إسرائيل بأنواع من العذاب غير التذبيح وبالتذبيح . وأما في موضع آخر من القرآن ، فإنه جاء بغير الواو : ( يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ) [ سورة البقرة : 49 ] في موضع ، وفي موضع ( يقتلون أبناءكم ) [ سورة الأعراف : 141 ] ، ولم تدخل الواو في المواضع التي لم تدخل فيها لأنه أريد بقوله : ( يذبحون ) ، وبقوله : ( يقتلون ) ، تبيينه صفات العذاب الذي كانوا يسومونهم . وكذلك العمل في كل جملة أريد تفصيلها ، فبغير الواو تفصيلها ، وإذا أريد العطف عليها بغيرها وغير تفصيلها فبالواو .
20582 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن ابن عيينة ، في قوله : ( وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم ) ، أيادي الله عندكم وأيامه .
وقوله : ( ويستحيون نساءكم ) ، يقول : ويبقون نساءكم فيتركون قتلهن ، [ ص: 525 ] وذلك استحياؤهم كان إياهن وقد بينا ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع ، ومعناه : يتركونهم والحياة ، ومنه الخبر الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
" " بمعنى : استبقوهم فلا تقتلوهم . اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا شرخهم
( وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ) ، يقول تعالى : وفيما يصنع بكم آل فرعون من أنواع العذاب ، بلاء لكم من ربكم عظيم ، أي ابتلاء واختبار لكم ، من ربكم عظيم . وقد يكون "البلاء" في هذا الموضع نعماء ، ويكون من البلاء الذي يصيب الناس من الشدائد .