القول في وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين ( 22 ) ) تأويل قوله تعالى : (
اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة القراء ( وأرسلنا الرياح لواقح ) وقرأه بعض قراء أهل الكوفة ( وأرسلنا الريح لواقح ) فوحد الريح وهي موصوفة بالجمع : أعني بقوله : لواقح . وينبغي أن يكون معنى ذلك : أن الريح وإن كان لفظها واحدا ، فمعناها الجمع ، لأنه يقال : جاءت الريح من كل وجه ، وهبت من كل مكان ، فقيل : لواقح لذلك ، فيكون معنى جمعهم نعتها ، وهي في اللفظ واحدة . معنى قولهم : أرض سباسب ، وأرض أغفال ، وثوب أخلاق ، كما قال الشاعر :
[ ص: 85 ] جاء الشتاء وقميصي أخلاق شراذم يضحك منه التواق وكذلك تفعل العرب في كل شيء اتسع .
واختلف أهل العربية في ، وإنما هي ملقحة لا لاقحة ، وذلك أنها تلقح السحاب والشجر ، وإنما توصف باللقح الملقوحة لا الملقح ، كما يقال : ناقة لاقح . وكان بعض نحويي وجه وصف الرياح باللقح البصرة يقول : قيل : الرياح لواقح ، فجعلها على لاقح ، كأن الرياح لقحت ، لأن فيها خيرا فقد لقحت بخير . قال : وقال بعضهم : الرياح تلقح السحاب ، فهذا يدل على ذلك المعنى ، لأنها إذا أنشأته وفيها خير وصل ذلك إليه وكان بعض نحويي الكوفة يقول : في ذلك معنيان : أحدهما أن يجعل الريح هي التي تلقح بمرورها على التراب والماء فيكون فيها اللقاح ، فيقال : ريح لاقح ، كما يقال : ناقة لاقح ، قال : ويشهد على ذلك أنه وصف ريح العذاب فقال ( عليهم الريح العقيم ) فجعلها عقيما إذا لم تلقح . قال : والوجه الآخر أن يكون وصفها باللقح ، وإن كانت تلقح ، كما قيل : ليل نائم والنوم فيه ، وسر كاتم ، وكما قيل : المبروز والمختوم ، فجعل مبروزا ، ولم يقل مبرزا بناه على غير فعله ، أي أن ذلك من صفاته ، فجاز مفعول [ ص: 86 ] لمفعل ، كما جاز فاعل لمفعول ، إذا لم يرد البناء على الفعل ، كما قيل : ماء دافق .
والصواب من القول في ذلك عندي : أن الرياح لواقح كما وصفها به جل ثناؤه من صفتها ، وإن كانت قد تلقح السحاب والأشجار ، فهي لاقحة ملقحة ، ولقحها : حملها الماء وإلقاحها السحاب والشجر : عملها فيه ، وذلك كما قال . عبد الله بن مسعود
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا المحاربي ، عن الأعمش ، عن عن المنهال بن عمرو ، قيس بن سكن ، عن في قوله ( عبد الله بن مسعود ، وأرسلنا الرياح لواقح ) قال : يرسل الله الرياح فتحمل الماء ، فتجري السحاب ، فتدر كما تدر اللقحة ثم تمطر .
حدثني أبو السائب ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن قيس بن سكن ، عن عبد الله ( وأرسلنا الرياح لواقح ) قال : ، ثم تمريه فتدر كما تدر اللقحة ، ثم تمطر . يبعث الله الريح فتلقح السحاب
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : ثنا أسباط بن محمد ، عن الأعمش ، عن عن المنهال بن عمرو ، قيس بن السكن ، عن في قوله ( عبد الله بن مسعود ، وأرسلنا الرياح لواقح ) قال : يرسل الرياح ، فتحمل الماء من السحاب ، ثم تمري السحاب ، فتدر كما تدر اللقحة ، فقد بين عبد الله بقوله : يرسل الرياح فتحمل الماء ، أنها هي اللاقحة بحملها الماء وإن كانت ملقحة بإلقاحها السحاب والشجر .
وأما جماعة أخر من أهل التأويل ، فإنهم وجهوا وصف الله تعالى ذكره إياها بأنها لواقح ، إلى أنه بمعنى ملقحة ، وأن اللواقح وضعت موضع ملاقح ، كما قال نهشل بن حري :
ليبك يزيد بائس لضراعة وأشعث ممن طوحته الطوائح [ ص: 87 ] يريد المطاوح ، وكما قال النابغة :
كليني لهم يا أميمة ناصب وليل أقاسيه بطيء الكواكب بمعنى : منصب .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا قال : ثنا محمد بن بشار ، عبد الرحمن بن مهدي ، قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم في قوله ( وأرسلنا الرياح لواقح ) قال : تلقح السحاب .
حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو نعيم ، قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، مثله .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، مثله .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا عن ابن علية ، أبي رجاء ، عن الحسن ، قوله ( وأرسلنا الرياح لواقح ) قال : لواقح للشجر ، قلت : أو للسحاب ، قال : وللسحاب ، تمريه حتى يمطر .
[ ص: 88 ] حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا إسحاق بن سليمان ، عن أبي سنان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن قال : يبعث الله المبشرة فتقم الأرض قما ، ثم يبعث الله المثيرة فتثير السحاب ، ثم يبعث الله المؤلفة فتؤلف السحاب ، ثم يبعث الله اللواقح فتلقح الشجر ، ثم تلا عبيد بن عمير ، عبيد ( وأرسلنا الرياح لواقح ) .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( وأرسلنا الرياح لواقح ) يقول : لواقح السحاب ، وإن من الريح عذابا ، وإن منها رحمة .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( لواقح ) قال : تلقح الماء في السحاب .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، ابن عباس ( لواقح ) قال : تلقح الشجر وتمري السحاب .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله ( وأرسلنا الرياح لواقح ) الرياح يبعثها الله على السحاب فتلقحه ، فيمتلئ ماء .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا قال : ثنا أحمد بن يونس ، عيسى بن ميمون ، قال : ثنا أبو المهزم ، عن قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أبي هريرة ، الريح الجنوب من الجنة ، وهي الريح اللواقح ، وهي التي ذكر الله تعالى في كتابه وفيها منافع للناس " .
حدثني أبو الجماهر الحمصي أو الحضرمي محمد بن عبد الرحمن ، قال : ثنا عبد العزيز بن موسى ، قال : ثنا عيسى بن ميمون أبو عبيدة ، عن أبي المهزم ، عن قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر مثله سواء . أبي هريرة ،
وقوله : ( فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه ) يقول تعالى ذكره : فأنزلنا من السماء مطرا فأسقيناكم ذلك المطر لشرب أرضكم ومواشيكم . ولو كان معناه : أنزلناه لتشربوه ، لقيل : فسقيناكموه . وذلك أن العرب تقول إذا سقت الرجل ماء شربه أو لبنا أو غيره : سقيته بغير ألف إذا كان لسقيه ، وإذا جعلوا له ماء لشرب أرضه أو ماشيته ، قالوا : أسقيته وأسقيت أرضه وماشيته ، وكذلك إذا استسقت له ، قالوا أسقيته واستسقيته ، كما قال : ذو الرمة
[ ص: 89 ] وقفت على رسم لمية ناقتي فما زلت أبكي عنده وأخاطبه وأسقيه حتى كاد مما أبثه تكلمني أحجاره وملاعبه وكذلك إذا وهبت لرجل إهابا ليجعله سقاء ، قلت : أسقيته إياه .
وما أنتم له بخازنين ) يقول : ولستم بخازني الماء الذي أنزلنا من السماء فأسقيناكموه . فتمنعوه من أسقيه ، لأن ذلك بيدي وإلي ، أسقيه من أشاء وأمنعه من أشاء . وقوله : (
كما حدثنا أحمد ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال سفيان : ( وما أنتم له بخازنين ) قال : بمانعين .