القول في تأويل قوله تعالى : ( وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ( 14 ) )
يقول تعالى ذكره : والذي فعل هذه الأفعال بكم ، وأنعم عليكم ، أيها الناس هذه النعم ، الذي سخر لكم البحر ، وهو كل نهر ، ملحا ماؤه أو عذبا ( لتأكلوا منه لحما طريا ) وهو السمك الذي يصطاد منه . ( وتستخرجوا منه حلية تلبسونها ) وهو اللؤلؤ والمرجان .
كما حدثني المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : أخبرنا هشام ، عن [ ص: 181 ] عمرو ، عن سعيد ، عن قتادة ، في قوله ( وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا ) قال : منهما جميعا . ( وتستخرجوا منه حلية تلبسونها ) قال : هذا اللؤلؤ .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( لتأكلوا منه لحما طريا ) يعني حيتان البحر .
حدثني المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : ثنا حماد ، عن يحيى ، قال : ثنا إسماعيل بن عبد الملك ، قال : جاء رجل إلى أبي جعفر ، فقال : هل في حلي النساء صدقة؟ قال : لا هي كما قال الله تعالى ( حلية تلبسونها وترى الفلك ) يعني السفن ، ( مواخر فيه ) وهي جمع ماخرة .
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل قوله ( مواخر ) فقال بعضهم : المواخر : المواقر .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا عمرو بن موسى القزاز ، قال : ثنا عبد الوارث ، قال : ثنا يونس ، عن الحسن ، في قوله ( وترى الفلك مواخر فيه ) قال : المواقر .
وقال آخرون في ذلك ما حدثنا به قال : ثنا عبد الرحمن بن الأسود ، محمد بن ربيعة ، عن أبي بكر الأصم ، عن عكرمة ، في قوله ( وترى الفلك مواخر فيه ) قال : ما أخذ عن يمين السفينة وعن يسارها من الماء ، فهو المواخر .
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن أبي مكين ، عن عكرمة ، في قوله ( وترى الفلك مواخر فيه ) قال : هي السفينة تقول بالماء هكذا ، يعني تشقه .
وقال آخرون فيه ما حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبو أسامة ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح ( وترى الفلك مواخر فيه ) قال : تجري فيه متعرضة .
وقال آخرون فيه ، بما حدثني به محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( وترى الفلك مواخر فيه ) قال : تمخر السفينة الرياح ، ولا تمخر الريح من السفن إلا الفلك العظام .
حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء وحدثني المثنى ، قال : أخبرنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل وحدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، [ ص: 182 ] قال : ثنا عبد الله عن ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد نحوه ، غير أن الحارث قال في حديثه : ولا تمخر الرياح من السفن .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد ، نحوه .
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( مواخر ) قال : تمخر الريح .
وقال آخرون فيه ، ما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وترى الفلك مواخر فيه ) تجري بريح واحدة ، مقبلة ومدبرة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : تجري مقبلة ومدبرة بريح واحدة .
حدثنا المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : ثنا يحيى بن سعيد ، عن يزيد بن إبراهيم ، قال : سمعت الحسن ( وترى الفلك مواخر فيه ) قال : مقبلة ومدبرة بريح واحدة ، والمخر في كلام العرب : صوت هبوب الريح ، إذا اشتد هبوبها ، وهو في هذا الموضع : صوت جري السفينة بالريح إذا عصفت وشقها الماء حينئذ بصدرها ، يقال منه : مخرت السفينة تمخر مخرا ومخورا ، وهي ماخرة ، ويقال : امتخرت الريح وتمخرتها : إذا نظرت من أين هبوبها وتسمعت صوت هبوبها ، ومنه قول واصل مولى ابن عيينة . كان يقال : إذا أراد أحدكم البول فليتمخر الريح ، يريد بذلك : لينظر من أين مجراها وهبوبها ليستدبرها فلا ترجع عليه البول وترده عليه .
وقوله : ( ولتبتغوا من فضله ) يقول تعالى ذكره : ولتتصرفوا في طلب معايشكم بالتجارة سخر لكم .
كما حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( ولتبتغوا من فضله ) قال : تجارة البر والبحر .
وقوله : ( ولعلكم تشكرون ) يقول : ولتشكروا ربكم على ما أنعم به عليكم من ذلك سخر لكم ما سخر من هذه الأشياء التي عددها في هذه الآيات .