القول في تأويل قوله تعالى : ( ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون ( 49 ) )
يقول تعالى ذكره : ولله يخضع ويستسلم لأمره ما في السماوات وما في الأرض من دابة يدب عليها ، والملائكة التي في السماوات ، وهم لا يستكبرون عن التذلل له بالطاعة ( فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون ) وظلالهم تتفيأ عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون .
وكان بعض نحويي البصرة يقول : اجتزئ بذكر الواحد من الدواب عن ذكر الجميع . وإنما معنى الكلام : ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من الدواب والملائكة ، كما يقال : ما أتاني من رجل ، بمعنى : ما أتاني من الرجال .
[ ص: 220 ] وكان بعض نحويي الكوفة يقول : إنما قيل : من دابة ، لأن "ما" وإن كانت قد تكون على مذهب الذي ، فإنها غير مؤقتة ، فإذا أبهمت غير مؤقتة أشبهت الجزاء ، والجزاء يدخل من فيما جاء من اسم بعده من النكرة ، فيقال : من ضربه من رجل فاضربوه ، ولا تسقط "من" من هذا الموضع كراهية أن تشبه أن تكون حالا لمن و ما ، فجعلوه بمن ليدل على أنه تفسير لما ومن لأنهما غير مؤقتتين ، فكان دخول من فيما بعدهما تفسيرا لمعناهما ، وكان دخول من أدل على ما لم يوقت من من وما ، فلذلك لم تلغيا .