قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك . فقرأه بعضهم : ( وقالوا قلوبنا غلف ) مخففة اللام ساكنة . وهي قراءة عامة الأمصار في جميع الأقطار . وقرأه بعضهم : "وقالوا قلوبنا غلف " مثقلة اللام مضمومة .
فأما الذين قرأوها بسكون اللام وتخفيفها ، فإنهم تأولوها ، أنهم قالوا : قلوبنا في أكنة وأغطية وغلف . و"الغلف " - على قراءة هؤلاء - جمع "أغلف " ، وهو الذي في غلاف وغطاء ، كما يقال للرجل الذي لم يختتن "أغلف " ، والمرأة "غلفاء " . وكما يقال للسيف إذا كان في غلافه : "سيف أغلف " ، وقوس غلفاء " وجمعهما "غلف " ، وكذلك جمع ما كان من النعوت ذكره على "أفعل " وأنثاه على "فعلاء " ، يجمع على "فعل " مضمومة الأول ساكنة الثاني ، مثل : " أحمر وحمر ، وأصفر وصفر " ، فيكون ذلك جماعا للتأنيث والتذكير . ولا يجوز تثقيل عين "فعل " منه ، إلا في ضرورة شعر ، كما قال طرفة بن العبد :
أيها الفتيان في مجلسنا جردوا منها ورادا وشقر [ ص: 325 ]
يريد : شقرا ، إلا أن الشعر اضطره إلى تحريك ثانيه فحركه . ومنه الخبر الذي : -
1497 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا الحكم بن بشير بن سلمان قال : حدثنا ، عن عمرو بن قيس الملائي عمرو بن مرة الجملي ، عن أبي البختري ، عن حذيفة قال : القلوب أربعة - ثم ذكرها - فقال فيما ذكر : وقلب أغلف معصوب عليه ، فذلك . قلب الكافر
ذكر من قال ذلك ، يعني أنها في أغطية .
1498 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني ابن إسحاق [ ص: 326 ] قال : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن سعيد بن جبير ، أو عكرمة ، عن ابن عباس : ( وقالوا قلوبنا غلف ) ، أي في أكنة .
1499 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثنا معاوية بن صالح ، عن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ( قلوبنا غلف ) ، أي في غطاء .
1500 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، : ( وقالوا قلوبنا غلف ) ، فهي القلوب المطبوع عليها .
1501 - حدثني عباس بن محمد قال : حدثنا حجاج قال : قال ، أخبرني ابن جريج عبد الله بن كثير ، عن مجاهد قوله : ( وقالوا قلوبنا غلف ) ، عليها غشاوة .
1502 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل قال ، أخبرني عبد الله بن كثير ، عن مجاهد : ( وقالوا قلوبنا غلف ) ، عليها غشاوة .
1503 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا شريك عن الأعمش قوله : ( قلوبنا غلف ) ، قال : هي في غلف .
1504 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا قال : حدثنا يزيد بن زريع سعيد ، عن قتادة : ( وقالوا قلوبنا غلف ) ، أي لا تفقه .
1505 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : ( وقالوا قلوبنا غلف ) ، قال : هو كقوله : ( قلوبنا في أكنة ) [ فصلت : 5 ] .
1506 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة في قوله : ( قلوبنا غلف ) قال : عليها طابع ، قال : هو كقوله : ( قلوبنا في أكنة ) .
1507 - حدثني المثنى قال : حدثنا آدم قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( قلوبنا غلف ) ، أي لا تفقه .
[ ص: 327 ] 1508 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن : ( وقالوا قلوبنا غلف ) ، قال : يقولون : عليها غلاف ، وهو الغطاء . السدي
1509 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( قلوبنا غلف ) ، قال : يقول : قلبي في غلاف ، فلا يخلص إليه مما تقول شيء ، وقرأ : ( وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه ) [ فصلت : 5 ] .
قال أبو جعفر : وأما الذين قرأوها "غلف " بتحريك اللام وضمها ، فإنهم تأولوها أنهم قالوا : قلوبنا غلف للعلم ، بمعنى أنها أوعية .
قال : و"الغلف " على تأويل هؤلاء جمع "غلاف " . كما يجمع "الكتاب : كتب ، والحجاب : حجب ، والشهاب : شهب . فمعنى الكلام على تأويل قراءة من قرأ "غلف " بتحريك اللام وضمها ، وقالت اليهود : قلوبنا غلف للعلم ، وأوعية له ولغيره .
ذكر من قال ذلك :
1510 - حدثني عبيد بن أسباط بن محمد قال : حدثنا أبي ، عن ، عن فضيل بن مرزوق عطية : ( وقالوا قلوبنا غلف ) ، قال : أوعية للذكر .
1511 - حدثني محمد بن عمارة الأسدي قال : حدثنا قال : أخبرنا عبيد الله بن موسى فضيل ، عن عطية في قوله : ( قلوبنا غلف ) قال : أوعية للعلم .
1512 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا فضيل ، عن عطية مثله .
1513 - حدثت عن المنجاب قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : ( وقالوا قلوبنا غلف ) ، قال : مملوءة علما ، لا تحتاج إلى محمد صلى الله عليه وسلم ولا غيره .
والقراءة التي لا يجوز غيرها في قوله : ( قلوبنا غلف ) ، هي قراءة من قرأ ( غلف ) [ ص: 328 ] بتسكين اللام - بمعنى أنها في أغشية وأغطية ؛ لاجتماع الحجة من القرأة وأهل التأويل على صحتها ، وشذوذ من شذ عنهم بما خالفه ، من قراءة ذلك بضم "اللام " .
وقد دللنا على أن ما جاءت به الحجة متفقة عليه ، حجة على من بلغه . وما جاء به المنفرد ، فغير جائز الاعتراض به على ما جاءت به الجماعة التي تقوم بها الحجة نقلا وقولا وعملا في غير هذا الموضع ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا المكان . .