القول في تأويل قوله تعالى : ( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا ( 12 ) )
يقول تعالى ذكره : ومن نعمته عليكم أيها الناس ، مخالفته بين علامة الليل وعلامة النهار ، بإظلامه علامة الليل ، وإضاءته علامة النهار ، لتسكنوا في هذا ، وتتصرفوا في ابتغاء رزق الله الذي قدره لكم بفضله في هذا ، ولتعلموا باختلافهما عدد السنين وانقضاءها ، وابتداء دخولها ، وحساب ساعات النهار والليل وأوقاتها ( وكل شيء فصلناه تفصيلا ) يقول : وكل شيء بيناه بيانا شافيا لكم أيها الناس لتشكروا الله على ما أنعم به عليكم من نعمه ، وتخلصوا له العبادة ، دون الآلهة والأوثان .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن قال : قال أبي الطفيل ، ابن الكواء لعلي : يا أمير المؤمنين ، ما هذه اللطخة التي في القمر؟ فقال : ويحك أما تقرأ القرآن ( فمحونا آية الليل ) ، فهذه محوه .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا طلق عن زائدة ، عن عاصم ، عن قال : سأل علي بن ربيعة ، ابن الكواء عليا فقال : ما هذا السواد في القمر؟ فقال علي ( فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ) هو المحو .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا إسرائيل ، عن أبي [ ص: 396 ] إسحاق ، عن عبد الله بن عمر ، قال : كنت عند علي ، فسأله ابن الكواء عن السواد الذي في القمر؟ فقال : ذاك آية الليل محيت .
حدثنا ابن أبي الشوارب ، قال : ثنا قال : ثنا يزيد بن زريع ، عمران بن حدير ، عن رفيع بن أبي كثير قال : قال رضوان الله عليه : سلوا عما شئتم ، فقام علي بن أبي طالب ابن الكواء فقال : ما السواد الذي في القمر ، فقال : قاتلك الله ، هلا سألت عن أمر دينك وآخرتك؟ قال : ذلك محو الليل .
حدثني زكريا بن يحيى بن أبان المصري ، قال : ثنا ابن عفير ، قال : ثنا ابن لهيعة ، عن حيي بن عبد الله ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن أن رجلا قال عبد الله بن عمرو بن العاص ، لعلي : ما السواد الذي في القمر؟ قال : إن الله يقول ( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ) .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل ) قال : هو السواد بالليل .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن قال : قال ابن جريج ، ابن عباس : كان القمر يضيء كما تضيء الشمس ، والقمر آية الليل ، والشمس آية النهار ، فمحونا آية الليل : السواد الذي في القمر .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن أبي زائدة ، قال : ذكر عن ابن جريج ، مجاهد ، في قوله ( وجعلنا الليل والنهار آيتين ) قال : الشمس آية النهار ، والقمر آية الليل ( فمحونا آية الليل ) قال : السواد الذي في القمر ، وكذلك خلقه الله .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد ( وجعلنا الليل والنهار آيتين ) قال : ليلا ونهارا ، كذلك خلقهما الله ، قال : وأخبرنا عبد الله بن كثير ، قال ( ابن جريج فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ) قال : ظلمة الليل وسدفة النهار .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ) : أي منيرة ، وخلق الشمس أنور من القمر وأعظم . [ ص: 397 ]
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، ثنا عيسى ، وحدثني الحرث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( وجعلنا الليل والنهار آيتين ) قال : ليلا ونهارا ، كذلك جعلهما الله .
واختلف أهل العربية في معنى قوله ( وجعلنا آية النهار مبصرة ) فقال بعض نحويي الكوفة معناها : مضيئة ، وكذلك قوله ( والنهار مبصرا ) معناه : مضيئا ، كأنه ذهب إلى أنه قيل مبصرا ، لإضاءته للناس البصر . وقال آخرون : بل هو من أبصر النهار : إذا صار الناس يبصرون فيه فهو مبصر ، كقولهم : رجل مجبن : إذا كان أهله وأصحابه جبناء ، ورجل مضعف : إذا كانت رواته ضعفاء ، فكذلك النهار مبصرا : إذا كان أهله بصراء .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( لتبتغوا فضلا من ربكم ) قال : جعل لكم سبحا طويلا .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وكل شيء فصلناه تفصيلا ) : أي بيناه تبيينا .