يقول تعالى ذكره ( أفأمنتم ) أيها الناس من ربكم ، وقد كفرتم نعمته بتنجيته إياكم من هول ما كنتم فيه في البحر ، وعظيم ما كنتم قد أشرفتم عليه من الهلاك ، فلما نجاكم وصرتم إلى البر كفرتم ، وأشركتم في عبادته غيره ( أن يخسف بكم جانب البر ) يعني ناحية البر ( أو يرسل عليكم حاصبا ) يقول : أو يمطركم حجارة من السماء تقتلكم ، كما فعل بقوم لوط ( ثم لا تجدوا لكم وكيلا ) يقول : ثم لا تجدوا لكم ما يقوم بالمدافعة عنكم من عذابه وما يمنعكم منه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ) يقول : حجارة من السماء ( ثم لا تجدوا لكم وكيلا ) أي منعة ولا ناصرا .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن في قوله ( ابن جريج ، أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ) قال : مطر الحجارة إذا خرجتم من البحر .
وكان بعض أهل العربية يوجه تأويل قوله ( أو يرسل عليكم حاصبا ) إلى : أو يرسل عليكم ريحا عاصفا تحصب ، ويستشهد لقوله ذلك بقول الشاعر :
مستقبلين شمال الشام تضربنا بحاصب كنديف القطن منثور
وأصل الحاصب : الريح تحصب بالحصباء; الأرض فيها الرمل والحصى الصغار . يقال في الكلام : حصب فلان فلانا : إذا رماه بالحصباء ، وإنما [ ص: 499 ] وصفت الريح بأنها تحصب لرميها الناس بذلك ، كما قال الأخطل :
ولقد علمت إذا العشار تروحت هدج الرئال تكبهن شمالا
ترمي العضاه بحاصب من ثلجها حتى يبيت على العضاه جفالا