القول في وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا ) تأويل قوله تعالى : (
يقول تعالى ذكره لنبيه : وقل يا محمد يا رب أدخلني مدخل صدق .
واختلف أهل التأويل في معنى مدخل الصدق الذي أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يرغب إليه في أن يدخله إياه ، وفي مخرج الصدق الذي أمره أن يرغب إليه في أن يخرجه إياه ، فقال بعضهم : عنى بمدخل الصدق : مدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، حين هاجر إليها ، ومخرج الصدق : مخرجه من مكة ، حين خرج منها مهاجرا إلى المدينة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع وابن حميد ، قالا ثنا جرير ، عن قابوس بن أبي ظبيان ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ، ثم أمر بالهجرة ، فأنزل الله تبارك وتعالى اسمه ، ( وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا ) .
حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : ثنا بشر بن المفضل ، عن عوف عن الحسن ، في قول الله ( أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق ) قال : كفار أهل مكة لما ائتمروا برسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلوه ، أو يطردوه ، أو يوثقوه ، وأراد الله قتال أهل مكة ، فأمره أن يخرج إلى المدينة ، فهو الذي قال الله ( أدخلني مدخل صدق ) .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( مدخل صدق ) قال : المدينة ( مخرج صدق ) قال : مكة . [ ص: 534 ]
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق ) أخرجه الله من مكة إلى الهجرة بالمدينة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق ) قال : المدينة حين هاجر إليها ، ومخرج صدق : مكة حين خرج منها مخرج صدق ، قال ذلك حين خرج مهاجرا .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وقل رب أمتني إماتة صدق ، وأخرجني بعد الممات من قبري يوم القيامة مخرج صدق .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( وقل رب أدخلني مدخل صدق ) . . . . الآية ، قال : يعني بالإدخال : الموت ، والإخراج : الحياة بعد الممات .
وقال آخرون : بل عنى بذلك : أدخلني في أمرك الذي أرسلتني به من النبوة مدخل صدق ، وأخرجني منه مخرج صدق .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( أدخلني مدخل صدق ) قال : فيما أرسلتني به من أمرك ( وأخرجني مخرج صدق ) قال كذلك أيضا .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد ، بنحوه .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أدخلني مدخل صدق : الجنة ، وأخرجني مخرج صدق : من مكة إلى المدينة . [ ص: 535 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قال : قال الحسن ( أدخلني مدخل صدق ) الجنة و ( مخرج صدق ) من مكة إلى المدينة .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أدخلني في الإسلام مدخل صدق . وقال آخرون : بل معنى ذلك : أدخلني في الإسلام مدخل صدق .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا سهل بن موسى الرازي ، قال : ثنا ابن نمير ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح في قوله ( رب أدخلني مدخل صدق ) قال : أدخلني في الإسلام مدخل صدق ( وأخرجني ) منه ( مخرج صدق ) .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أدخلني مكة آمنا ، وأخرجني منها آمنا .
ذكر من قال ذلك : حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك قال في قوله ( رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق ) يعني مكة ، دخل فيها آمنا ، وخرج منها آمنا .
وأشبه هذه الأقوال بالصواب في تأويل ذلك ، قول من قال : معنى ذلك : وأدخلني المدينة مدخل صدق ، وأخرجني من مكة مخرج صدق .
وإنما قلنا ذلك أولى بتأويل الآية ، لأن ذلك عقيب قوله ( وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا ) . وقد دللنا فيما مضى ، على أنه عنى بذلك أهل مكة ; فإذ كان ذلك عقيب خبر الله عما كان المشركون أرادوا من استفزازهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليخرجوه عن مكة ، كان بينا ، إذ كان الله قد أخرجه منها ، أن قوله ( وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق ) أمر منه له بالرغبة إليه في أن يخرجه من البلدة التي هم المشركون بإخراجه منها مخرج صدق ، وأن يدخله البلدة التي نقله الله إليها مدخل صدق .
وقوله ( واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا ) .
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : واجعل لي ملكا ناصرا ينصرني على من ناوأني ، وعزا أقيم به دينك ، وأدفع به عنه من أراده بسوء . [ ص: 536 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : ثنا بشر بن المفضل ، عن عوف ، عن الحسن ، في قول الله عز وجل ( واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا ) يوعده لينزعن ملك فارس ، وعز فارس ، وليجعلنه له ، وعز الروم ، وملك الروم ، وليجعلنه له .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله ( واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا ) وإن نبي الله علم أن لا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان ، فسأل سلطانا نصيرا لكتاب الله عز وجل ، ولحدود الله ، ولفرائض الله ، ولإقامة دين الله ، وإن السلطان رحمة من الله جعلها بين أظهر عباده ، لولا ذلك لأغار بعضهم على بعض ، فأكل شديدهم ضعيفهم .
وقال آخرون : بل عنى بذلك حجة بينة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل ( سلطانا نصيرا ) قال : حجة بينة .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد ، مثله .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : ذلك أمر من الله تعالى نبيه بالرغبة إليه في أن يؤتيه سلطانا نصيرا له على من بغاه وكاده ، وحاول منعه من إقامته فرائض الله في نفسه وعباده .
وإنما قلت ذلك أولى بالصواب ، لأن ذلك عقيب خبر الله عما كان المشركون هموا به من إخراجه من مكة ، فأعلمه الله عز وجل أنهم لو فعلوا ذلك عوجلوا بالعذاب عن قريب ، ثم أمره بالرغبة إليه في إخراجه من بين أظهرهم إخراج صدق يحاوله عليهم ، ويدخله بلدة غيرها ، بمدخل صدق يحاوله عليهم ولأهلها في دخولها إليها ، وأن يجعل له سلطانا نصيرا على أهل البلدة التي أخرجه أهلها منها ، وعلى كل من كان لهم شبيها ، وإذا أوتي ذلك ، فقد أوتي لا شك حجة بينة . [ ص: 537 ]
وأما قوله ( نصيرا ) فإن ابن زيد كان يقول فيه ، نحو قولنا الذي قلنا فيه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا ) قال : ينصرني ، وقد قال الله لموسى ( سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا ) هذا مقدم ومؤخر ، إنما هو سلطان بآياتنا فلا يصلون إليكما .