يقول تعالى ذكره : ومن يهد الله يا محمد للإيمان به ، ولتصديقك وتصديق ما جئت به من عند ربك ، فوفقه لذلك ، فهو المهتد الرشيد المصيب الحق ، لا من هداه غيره ، فإن الهداية بيده . ( ومن يضلل ) يقول : ومن يضلله الله عن الحق ، فيخذله عن إصابته ، ولم يوفقه للإيمان بالله وتصديق رسوله ، فلن تجد لهم يا محمد أولياء ينصرونهم من دون الله ، إذا أراد الله عقوبتهم والاستنقاذ منهم .
( ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم ) يقول : ونجمعهم بموقف القيامة من بعد تفرقهم في القبور عند قيام الساعة ( على وجوههم عميا وبكما ) وهو جمع أبكم ، ويعني بالبكم : الخرس .
كما حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : ثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله ( وبكما ) قال : الخرس ( وصما ) وهو جمع أصم .
فإن قال قائل : وكيف وصف الله هؤلاء بأنهم يحشرون عميا وبكما وصما ، وقد قال ( ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ) فأخبر أنهم يرون ، وقال ( إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا ) [ ص: 560 ] فأخبر أنهم يسمعون وينطقون؟ قيل : جائز أن يكون ما وصفهم الله به من العمى والبكم والصمم يكون صفتهم في حال حشرهم إلى موقف القيامة ، ثم يجعل لهم أسماع وأبصار ومنطق في أحوال أخر غير حال الحشر ، ويجوز أن يكون ذلك ، كما روي عن ابن عباس في الخبر الذي حدثنيه علي بن داود ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله ( ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما ) ثم قال ( ورأى المجرمون النار فظنوا ) وقال ( سمعوا لها تغيظا وزفيرا ) وقال ( دعوا هنالك ثبورا ) أما قوله ( عميا ) فلا يرون شيئا يسرهم . وقوله ( بكما ) لا ينطقون بحجة ، وقوله ( صما ) لا يسمعون شيئا يسرهم ، وقوله ( مأواهم جهنم ) يقول جل ثناؤه : ومصيرهم إلى جهنم ، وفيها مساكنهم ، وهم وقودها .
كما حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ( مأواهم جهنم ) يعني إنهم وقودها .
وقوله ( كلما خبت زدناهم سعيرا ) يعني بقوله خبت : لانت وسكنت ، كما قال في وصف مزنة : عدي بن زيد العبادي
وسطه كاليراع أو سرج المجدل حينا يخبو وحينا ينير
يعني بقوله : يخبو السرج : أنها تلين وتضعف أحيانا ، وتقوى وتنير أخرى ، ومنه قول القطامي : [ ص: 561 ]
فيخبو ساعة ويهب ساعا
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل على اختلاف منهم في العبارة عن تأويله .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي بن داود ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله ( كلما خبت ) قال : سكنت .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، ( كلما خبت زدناهم سعيرا ) يقول : كلما أحرقتهم تسعر بهم حطبا ، فإذا أحرقتهم فلم تبق منهم شيئا صارت جمرا تتوهج ، فذلك خبوها ، فإذا بدلوا خلقا جديدا عاودتهم .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن مجاهد حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد مثله .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن قال : قال ابن جريج ، ابن عباس ( كلما خبت ) قال : خبوها أنها تسعر بهم حطبا ، فإذا أحرقتهم ، فلم يبق منهم شيء صارت جمرا تتوهج ، فإذا بدلوا خلقا جديدا عاودتهم .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( كلما خبت زدناهم سعيرا ) يقول : كلما احترقت جلودهم بدلوا جلودا غيرها ، ليذوقوا العذاب .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله ( كلما خبت زدناهم سعيرا ) قال : كلما لان منها شيء . [ ص: 562 ]
حدثت عن مروان ، عن جويبر ، عن الضحاك ( كلما خبت ) قال : سكنت . وقوله ( زدناهم سعيرا ) يقول : زدنا هؤلاء الكفار سعيرا ، وذلك إسعار النار عليهم والتهابها فيهم وتأججها بعد خبوها ، في أجسامهم .