[ ص: 38 ] القول في ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا ( 49 ) ) تأويل قوله تعالى : (
يقول عز ذكره : ووضع الله يومئذ كتاب أعمال عباده في أيديهم ، فأخذ واحد بيمينه وأخذ واحد بشماله ( فترى المجرمين مشفقين مما فيه ) يقول عز ذكره : فترى المجرمين المشركين بالله مشفقين ، يقول : خائفين وجلين مما فيه مكتوب من أعمالهم السيئة التي عملوها في الدنيا أن يؤاخذوا بها ( ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ) يعني أنهم يقولون إذا قرءوا كتابهم ، ورأوا ما قد كتب عليهم فيه من صغائر ذنوبهم وكبائرها ، نادوا بالويل حين أيقنوا بعذاب الله ، وضجوا مما قد عرفوا من أفعالهم الخبيثة التي قد أحصاها كتابهم ، ولم يقدروا أن ينكروا صحتها .
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ) اشتكى القوم كما تسمعون الإحصاء ، ولم يشتك أحد ظلما ، فإياكم والمحقرات من الذنوب ، فإنها تجتمع على صاحبها حتى تهلكه ، ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يضرب لها مثلا يقول ، وقيل : إنه عنى بالصغيرة في هذا الموضوع الضحك . كمثل قوم انطلقوا يسيرون حتى نزلوا بفلاة من الأرض ، وحضر صنيع القوم ، فانطلق كل رجل يحتطب ، فجعل الرجل يجيء بالعود ، ويجيء الآخر بالعود ، حتى جمعوا سوادا كثيرا وأججوا نارا ، فإن الذنب الصغير ، يجتمع على صاحبه حتى يهلكه
ذكر من قال ذلك :
حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ، قال : ثنا عبد الله بن داود ، قال : ثنا محمد بن موسى ، عن الزيال بن عمرو ، عن ابن عباس ( لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ) قال : الضحك .
حدثنا أحمد بن حازم ، قال : ثنا أبي ، قال : حدثتني أمي حمادة ابنة محمد ، قالت : سمعت أبي محمد بن عبد الرحمن يقول في هذه الآية في قول [ ص: 39 ] الله عز وجل : ( مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ) قال : الصغيرة : الضحك .
ويعني بقوله : ( مال هذا الكتاب ) : ما شأن هذا الكتاب ( لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ) يقول : لا يبقي صغيرة من ذنوبنا وأعمالنا ولا كبيرة منها ( إلا أحصاها ) يقول : إلا حفظها ( ووجدوا ما عملوا ) في الدنيا من عمل ( حاضرا ) في كتابهم ذلك مكتوبا مثبتا ، فجوزوا بالسيئة مثلها ، والحسنة ما الله جازيهم بها ( ولا يظلم ربك أحدا ) يقول : ولا يجازي ربك أحدا يا محمد بغير ما هو أهله ، لا يجازي بالإحسان إلا أهل الإحسان ، ولا بالسيئة إلا أهل السيئة ، وذلك هو العدل .