يقول تعالى ذكره لموسى وهارون : فقولا لفرعون قولا لينا ، ذكر أن القول اللين الذي أمرهما الله أن يقولاه له هو أن يكنياه .
حدثني جعفر ابن ابنة إسحاق بن يوسف الأزرق قال : ثنا سعيد بن محمد الثقفي قال : ثنا علي بن صالح عن : ( السدي فقولا له قولا لينا ) قال : كنياه .
وقوله ( لعله يتذكر أو يخشى ) اختلف في معنى قوله ( لعله ) في هذا الموضع ، فقال بعضهم معناها هاهنا الاستفهام ، كأنهم وجهوا معنى الكلام إلى : فقولا له قولا لينا ، فانظرا هل يتذكر ويراجع أو يخشى الله فيرتدع عن طغيانه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي قال : ثنا عبد الله قال : ثنا معاوية عن علي عن ابن عباس قوله ( لعله يتذكر أو يخشى ) يقول : هل يتذكر أو يخشى .
وقال آخرون : معنى لعل هاهنا كي . ووجهوا معنى الكلام إلى ( في ذكري اذهبا إلى فرعون إنه طغى ) فادعواه وعظاه ليتذكر أو يخشى ، كما يقول القائل : اعمل عملك لعلك تأخذ أجرك ، بمعنى : لتأخذ أجرك ، وافرغ من عملك لعلنا نتغدى ، بمعنى : لنتغدى ، أو حتى نتغدى ، ولكلا هذين القولين وجه حسن ، ومذهب صحيح .
وقوله ( قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا ) يقول تعالى ذكره : قال موسى وهارون : ربنا إننا نخاف فرعون إن نحن دعوناه إلى ما أمرتنا أن ندعوه إليه ، أن يعجل علينا بالعقوبة ، وهو من قولهم : فرط مني إلى فلان أمر ، إذا سبق منه ذلك إليه ، ومنه : فارط القوم ، وهو المتعجل المتقدم أمامهم إلى الماء أو المنزل كما قال الراجز :
قد فرط العلج علينا وعجل
وأما الإفراط : فهو الإسراف والإشطاط والتعدي ، يقال منه : أفرطت في قولك : إذا أسرف فيه وتعدى .
وأما التفريط : فإنه التواني ، يقال منه : فرطت في هذا الأمر حتى فات : إذا توانى فيه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ( أن يفرط علينا ) قال : عقوبة منه .
حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج عن عن ابن جريج مجاهد مثله .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى ) قال : نخاف أن يعجل علينا إذ نبلغه كلامك أو أمرك ، يفرط ويعجل . وقرأ ( لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى ) .