يقول تعالى ذكره : قال موسى للسحرة لما جاء بهم فرعون ( ويلكم لا تفتروا على الله كذبا ) يقول : لا تختلقوا على الله كذبا ، ولا تتقولوه ( فيسحتكم بعذاب ) فيستأصلكم بهلاك فيبيدكم . وللعرب فيه لغتان : سحت ، وأسحت ، وسحت أكثر من أسحت ، يقال منه : سحت الدهر ، وأسحت مال فلان : إذا أهلكه فهو يسحته سحتا ، وأسحته يسحته إسحاتا ، ومن الإسحات قول : الفرزدق
وعض زمان يا ابن مروان لم يدع من المال إلا مسحتا أو مجلف
ويروى : إلا مسحتا أو مجلف . [ ص: 326 ] وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله ( فيسحتكم بعذاب ) يقول : فيهلككم .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة ( فيسحتكم بعذاب ) يقول : يستأصلكم بعذاب .
حدثنا الحسن قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله ( فيسحتكم بعذاب ) قال : فيستأصلكم بعذاب فيهلككم .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( فيسحتكم بعذاب ) قال : يهلككم هلاكا ليس فيه بقية ، قال : والذي يسحت ليس فيه بقية .
حدثنا موسى قال : ثنا عمرو قال : ثنا أسباط عن ( السدي فيسحتكم بعذاب ) يقول : يهلككم بعذاب .
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء أهل المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة " فيسحتكم " بفتح الياء من سحت يسحت . وقرأته عامة قراء الكوفة ( فيسحتكم ) بضم الياء من أسحت يسحت .
قال أبو جعفر : والقول في ذلك عندنا أنهما قراءتان مشهورتان ، ولغتان معروفتان بمعنى واحد ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ، غير أن الفتح فيها أعجب إلي لأنها لغة أهل العالية ، وهي أفصح والأخرى وهي الضم في نجد .
وقوله ( وقد خاب من افترى ) يقول : لم يظفر من يخلق كذبا ، ويقول بكذبه ذلك بحاجته التي طلبها به ، ورجا إدراكها به .