يقول تعالى ذكره : فأجمعت السحرة كيدهم ، ثم أتوا صفا فقالوا لموسى ( يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى ) وترك ذكر ذلك من الكلام اكتفاء بدلالة الكلام عليه .
واختلف في مبلغ عدد السحرة الذين أتوا يومئذ صفا ، فقال بعضهم : كانوا سبعين ألف ساحر ، مع كل ساحر منهم حبل وعصا .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا عن ابن علية قال : ثنا هشام الدستوائي القاسم بن أبي بزة قال : جمع فرعون سبعين ألف ساحر ، فألقوا سبعين ألف حبل ، وسبعين ألف عصا ، فألقى موسى عصاه ، فإذا هي ثعبان مبين فاغر به فاه ، فابتلع حبالهم وعصيهم ( فألقي السحرة سجدا ) عند ذلك ، فما رفعوا رءوسهم حتى رأوا الجنة والنار وثواب أهلهما ، [ ص: 335 ] فعند ذلك ( قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات ) .
وقال آخرون : بل كانوا نيفا وثلاثين ألف رجل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا موسى قال : ثنا عمرو قال : ثنا أسباط عن قال : ( السدي قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى قال بل ) ألقوا ، فألقوا حبالهم وعصيهم ، وكانوا بضعة وثلاثين ألف رجل ليس منهم رجل إلا ومعه حبل وعصا .
وقال آخرون بل كانوا خمسة عشر ألفا .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة عن ابن إسحاق قال : حدثت عن قال : صف خمسة عشر ألف ساحر ، مع كل ساحر حباله وعصيه . وهب بن منبه
وقال آخرون : كانوا تسعمائة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج عن قال : كان السحرة ثلاثمائة من ابن جريج العريش وثلاثمائة من فيوم ، ويشكون في ثلاثمائة من الإسكندرية ، فقالوا لموسى : إما أن تلقي ما معك قبلنا ، وإما أن نلقي ما معنا قبلك ، وذلك قوله ( وإما أن نكون أول من ألقى ) وأن في قوله ( إما أن ) في موضع نصب ، وذلك أن معنى الكلام : اختر يا موسى أحد هذين الأمرين : إما أن تلقي قبلنا ، وإما أن نكون أول من ألقى ، ولو قال قائل : هو رفع ، كان مذهبا ، كأنه وجهه إلى أنه خبر ، كقول القائل :
فسيرا فإما حاجة تقضيانها وإما مقيل صالح وصديق
[ ص: 336 ] وقوله ( قال بل ألقوا ) يقول تعالى ذكره : قال موسى للسحرة : بل ألقوا أنتم ما معكم قبلي . وقوله ( فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ) ، وفي هذا الكلام متروك ، وهو : فألقوا ما معهم من الحبال والعصي ، فإذا حبالهم ، ترك ذكره استغناء بدلالة الكلام الذي ذكر عليه عنه ، وذكر أن السحرة سحروا عين موسى وأعين الناس قبل أن يلقوا حبالهم وعصيهم ، فخيل حينئذ إلى موسى أنها تسعى .كما حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة عن ابن إسحاق قال : حدثت عن قال : قالوا يا وهب بن منبه موسى ، ( إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى قال بل ألقوا ) فكان أول ما اختطفوا بسحرهم بصر موسى وبصر فرعون ثم أبصار الناس بعد ، ثم ألقى كل رجل منهم ما في يده من العصي والحبال ، فإذا هي حيات كأمثال الحبال ، قد ملأت الوادي يركب بعضها بعضا .
واختلفت القراء في قراءة قوله ( يخيل إليه ) فقرأ ذلك عامة قراء الأمصار ( يخيل إليه ) بالياء بمعنى : يخيل إليهم سعيها ، وإذا قرئ ذلك كذلك ، كانت " أن " في موضع رفع ، وروي عن أنه كان يقرؤه : ( تخيل ) بالتاء ، بمعنى : تخيل حبالهم وعصيهم بأنها تسعى ، ومن قرأ ذلك كذلك ، كانت " أن " في موضع نصب لتعلق " تخيل " بها ، وقد ذكر عن بعضهم أنه كان يقرؤه : " تخيل إليه " بمعنى : تتخيل إليه ، وإذا قرئ ذلك كذلك أيضا ف " أن " في موضع نصب بمعنى : تتخيل بالسعي لهم . الحسن البصري
والقراءة التي لا يجوز عندي في ذلك غيرها ( يخيل ) بالياء ، لإجماع الحجة من القراء عليه .