الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى ( 65 ) قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ( 66 ) )

يقول تعالى ذكره : فأجمعت السحرة كيدهم ، ثم أتوا صفا فقالوا لموسى ( يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى ) وترك ذكر ذلك من الكلام اكتفاء بدلالة الكلام عليه .

واختلف في مبلغ عدد السحرة الذين أتوا يومئذ صفا ، فقال بعضهم : كانوا سبعين ألف ساحر ، مع كل ساحر منهم حبل وعصا .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا ابن علية عن هشام الدستوائي قال : ثنا القاسم بن أبي بزة قال : جمع فرعون سبعين ألف ساحر ، فألقوا سبعين ألف حبل ، وسبعين ألف عصا ، فألقى موسى عصاه ، فإذا هي ثعبان مبين فاغر به فاه ، فابتلع حبالهم وعصيهم ( فألقي السحرة سجدا ) عند ذلك ، فما رفعوا رءوسهم حتى رأوا الجنة والنار وثواب أهلهما ، [ ص: 335 ] فعند ذلك ( قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات ) .

وقال آخرون : بل كانوا نيفا وثلاثين ألف رجل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا موسى قال : ثنا عمرو قال : ثنا أسباط عن السدي قال : ( قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى قال بل ) ألقوا ، فألقوا حبالهم وعصيهم ، وكانوا بضعة وثلاثين ألف رجل ليس منهم رجل إلا ومعه حبل وعصا .

وقال آخرون بل كانوا خمسة عشر ألفا .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة عن ابن إسحاق قال : حدثت عن وهب بن منبه قال : صف خمسة عشر ألف ساحر ، مع كل ساحر حباله وعصيه .

وقال آخرون : كانوا تسعمائة .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج عن ابن جريج قال : كان السحرة ثلاثمائة من العريش وثلاثمائة من فيوم ، ويشكون في ثلاثمائة من الإسكندرية ، فقالوا لموسى : إما أن تلقي ما معك قبلنا ، وإما أن نلقي ما معنا قبلك ، وذلك قوله ( وإما أن نكون أول من ألقى ) وأن في قوله ( إما أن ) في موضع نصب ، وذلك أن معنى الكلام : اختر يا موسى أحد هذين الأمرين : إما أن تلقي قبلنا ، وإما أن نكون أول من ألقى ، ولو قال قائل : هو رفع ، كان مذهبا ، كأنه وجهه إلى أنه خبر ، كقول القائل :


فسيرا فإما حاجة تقضيانها وإما مقيل صالح وصديق

[ ص: 336 ] وقوله ( قال بل ألقوا ) يقول تعالى ذكره : قال موسى للسحرة : بل ألقوا أنتم ما معكم قبلي . وقوله ( فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ) ، وفي هذا الكلام متروك ، وهو : فألقوا ما معهم من الحبال والعصي ، فإذا حبالهم ، ترك ذكره استغناء بدلالة الكلام الذي ذكر عليه عنه ، وذكر أن السحرة سحروا عين موسى وأعين الناس قبل أن يلقوا حبالهم وعصيهم ، فخيل حينئذ إلى موسى أنها تسعى .

كما حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة عن ابن إسحاق قال : حدثت عن وهب بن منبه قال : قالوا يا موسى ، ( إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى قال بل ألقوا ) فكان أول ما اختطفوا بسحرهم بصر موسى وبصر فرعون ثم أبصار الناس بعد ، ثم ألقى كل رجل منهم ما في يده من العصي والحبال ، فإذا هي حيات كأمثال الحبال ، قد ملأت الوادي يركب بعضها بعضا .

واختلفت القراء في قراءة قوله ( يخيل إليه ) فقرأ ذلك عامة قراء الأمصار ( يخيل إليه ) بالياء بمعنى : يخيل إليهم سعيها ، وإذا قرئ ذلك كذلك ، كانت " أن " في موضع رفع ، وروي عن الحسن البصري أنه كان يقرؤه : ( تخيل ) بالتاء ، بمعنى : تخيل حبالهم وعصيهم بأنها تسعى ، ومن قرأ ذلك كذلك ، كانت " أن " في موضع نصب لتعلق " تخيل " بها ، وقد ذكر عن بعضهم أنه كان يقرؤه : " تخيل إليه " بمعنى : تتخيل إليه ، وإذا قرئ ذلك كذلك أيضا ف " أن " في موضع نصب بمعنى : تتخيل بالسعي لهم .

والقراءة التي لا يجوز عندي في ذلك غيرها ( يخيل ) بالياء ، لإجماع الحجة من القراء عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية