( فيذرها قاعا صفصفا ) يقول تعالى ذكره : فيدع أماكنها من الأرض إذا نسفها نسفا قاعا ، يعني : أرضا ملساء ، صفصفا : يعني مستويا لا نبات فيه ، ولا نشز ، ولا ارتفاع .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله ( قاعا صفصفا ) يقول : مستويا لا نبات فيه .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( فيذرها قاعا صفصفا ) قال : مستويا ، الصفصف : المستوي .
حدثني يونس قال : أخبرنا عبد الله بن يوسف قال : ثنا قال : ثنا عبد الله بن لهيعة أبو الأسود عن عروة قال : كنا قعودا عند عبد الملك حين قال كعب : إن الصخرة موضع قدم الرحمن يوم القيامة ، فقال : كذب كعب ، إنما الصخرة جبل من الجبال ، إن الله يقول ( ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا ) فسكت عبد الملك .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله ( صفصفا ) قال : مستويا .
حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج عن عن ابن جريج مجاهد مثله .
قال أبو جعفر : وكان بعض أهل العلم بلغات العرب من أهل الكوفة يقول : القاع : مستنقع الماء ، والصفصف : الذي لا نبات فيه .
وقوله ( لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ) يقول : لا ترى في الأرض عوجا ولا أمتا .
واختلف أهل التأويل في معنى العوج والأمت ، فقال بعضهم عنى [ ص: 372 ] بالعوج في هذا الموضع الأودية ، وبالأمت الروابي والنشوز .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله ( لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ) يقول : واديا ، ولا أمتا : يقول : رابية .
حدثني محمد بن عبد الله المخرمي قال : ثنا عن أبو عامر العقدي عبد الواحد بن صفوان مولى عثمان قال : سمعت عكرمة قال : سئل ابن عباس عن قوله ( لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ) قال : هي الأرض البيضاء ، أو قال : الملساء التي ليس فيها لبنة مرتفعة .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ( لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ) قال : ارتفاعا ، ولا انخفاضا .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ) قال : لا تعادي ، الأمت : التعادي .
وقال آخرون : بل عنى بالعوج في هذا الموضع الصدوع ، وبالأمت الارتفاع من الآكام وأشباهها .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : ( لا ترى فيها عوجا ) قال : صدعا ( ولا أمتا ) يقول : ولا أكمة .
وقال آخرون : عنى بالعوج الميل ، وبالأمت الأثر .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله ( لا ترى فيها عوجا ) يقول : لا ترى فيها ميلا ، والأمت : الأثر مثل الشراك .
وقال آخرون : الأمت : المحاني والأحداب .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قال : الأمت : الحدب .
[ ص: 373 ] قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : عنى بالعوج الميل ، وذلك أن ذلك هو المعروف في كلام العرب .
فإن قال قائل : وهل في الأرض اليوم من عوج ، فيقال : لا ترى فيها يومئذ عوجا ، قيل : إن معنى ذلك : ليس فيها أودية وموانع تمنع الناظر أو السائر فيها عن الأخذ على الاستقامة ، كما يحتاج اليوم من أخذ في بعض سبلها إلى الأخذ أحيانا يمينا ، وأحيانا شمالا لما فيها من الجبال والأودية والبحار . وأما الأمت فإنه عند العرب الانثناء والضعف ، مسموع منهم ، مد حبله حتى ما ترك فيه أمتا ، أي انثناء ، وملأ سقاءه حتى ما ترك فيه أمتا ، ومنه قول الراجز :
ما في انجذاب سيره من أمت
يعني : من وهن وضعف ، فالواجب إذا كان ذلك معنى الأمت عندهم أن يكون أصوب الأقوال في تأويله : ولا ارتفاع ولا انخفاض ، لأن الانخفاض لم يكن إلا عن ارتفاع ، فإذا كان ذلك كذلك ، فتأويل الكلام : لا ترى فيها ميلا عن الاستواء ، ولا ارتفاعا ، ولا انخفاضا ، ولكنها مستوية ملساء ، كما قال جل ثناؤه : ( قاعا صفصفا ) .